هبة النفق جاءت كفصل من فصول الدفاع عن المسجد الاقصى، ضد مخططات الكيان لتهويد القدس.
في الخامس والعشرين من سبتمبر/ أيلول عام ١٩٩٦، انطلقت هبة فلسطينية شعبية غاضبة رافضة أعمال الهدم والحفريات التي تجريها قوات الاحتلال الإسرائيلي في المسجد الأقصى، فالقصة بدأت عندما شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالحفر أسفل الرواق الغربي للمسجد الأقصى، حتى أحدثت نفقاً كبيراً يبلغ طوله ما يقارب ٣٣ متراً، وما زاد اشتعالها عندما أمر بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء وقتئذ رئيس البلدية إيهود أولمرت بافتتاح النفق، واندلعت على أثرها مواجهات عنيفة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وشبان فلسطينيين، واتسعت تلك المواجهات من شمال فلسطين إلى جنوبه.
فقد بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي بوضع باب حديدي يؤدي إلى مدخل يصل حائط البراق بباب الغوانمة أحد أبواب المسجد الأقصى، واشتبكت قوات الأمن الفلسطيني التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وصدحت مآذن المساجد بإعلان النفير العام، والذود عن المسجد الأقصى، ومنع المحتل الإسرائيلي من تنفيذ مخططه بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم، استمرت هبة الشعب الفلسطيني ستة أشهر، ارتقى فيها مئة شهيد وجرح ١٦٠٠ فلسطيني، حيث استعانت قوات الاحتلال الإسرائيلي لقمع الاحتجاجات بالدبابات والطائرات المروحية، واستخدمت الرصاص المطاطي والحي، وانضم المستوطنون في إخماد صوت الاحتجاجات إلى جانب قوات الاحتلال واطلقوا النار على المنتفضين.
التهديدات الإسرائيلية لبنية المسجد الأقصى، بدأت ارهاصته عندما أحرق في العام ١٩٦٩، وتداعى الشعب الفلسطيني لإنقاذ المسجد الأقصى من الحريق الذي اندلع فيه، وتوالت الاعتداءات على حرمة المسجد الأقصى خاصة بعد حرب النكسة عام ١٩٦٧، كان نذيراً قوياً على أن الاحتلال الإسرائيلي يبرم أمراً خفياً وخطيراً على مستقبل وجود المسجد الأقصى المبارك، ثم بدأت بمشروع بناء الهيكل الذي بوشرت الحفريات في النفق الغربي عام ١٩٧٠، حيث يمتد النفق الذي يؤسس لإنشاء الهيكل وهدم المسجد الأقصى، أسفل المدرسة التنكزية بمحاذاة الجدار الغربي للمسجد الأقصى من الجنوب إلى الشمال مروراً بخمسة من أبواب المسجد الأقصى.
تبلغ عدد الحفريات في مدينة القدس سبعين حفرية، معظمها يقع جنوب وغرب المسجد الأقصى، حتى وصل عدد الأنفاق ١٥ نفقاً طولها ثلاثة آلاف متر، هذه الحفريات المخالفة للقوانين الدولية وما اتفق عليه في معاهدة أوسلو للسلام بين منظمة التحرير الفلسطينية و" إسرائيل"، أحدثت تصدعات كبيرة في أبنية الرواق الغربي وتفسخ في جدران عدد من المدارس الإسلامية الأثرية التاريخية الواقعة في الرواق الغربي للمسجد الأقصى، كالمدرسة التنكزية والمدرسة الأشرفية وغيرها العديد من المدارس وعدد من الآبار كبئر رباط الكرد وسبيل قايتباي التي تمد المدارس ومرافق المسجد الأقصى بالمياه، حيث بلغ ارتفاع النفق في بعض المناطق مترين فقط، بينما يصل في مناطق أخرى إلى ٢٥ متراً.
٢٨ عاماً مرت على انتفاضة النفق قدم فيها الشعب الفلسطيني تضحيات عظيمة من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى أولى القبلتين و ثالث الحرمين الشريفين، ضد النوايا الإسرائيلية الرامية إلى تعزيز سيادتها على المدينة المقدسة، وسحب الوصاية الإسلامية متمثلة بالوصاية الهاشمية الأردنية على المسجد الأقصى، وإحداث واقع جديد في القدس، وتوسيع أعمال البناء وتمدد للحائط المبكي ( حائط البراق)، ودعم أحقية اليهود في أداء طقوسهم وشعائرهم الدينية في محيط المسجد الأقصى، ونفي أي أحقية للمسلمين في مقدساتهم الإسلامية في القلب منها المسجد الأقصى، وفرض السيادة اليهودية بالقوة، أي فرض أمر واقع، والتعجيل في بناء الهيكل وتقييد أداء الفلسطينيين للصلاة في المسجد الأقصى، وذلك بتقنين أعداد المصلين، وانتهاك حرمة باحة الأقصى بين الفينة والأخرى، والعمل على توسيع أماكن عبادة اليهود، وتهويد مدينة القدس عن طريق سلب بيوت وممتلكات المقدسيين وإعطائها للمستوطنين، وإفراغ المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى من الفلسطينيين وإحلال اليهود محلهم، للإدعاء في المحافل الدولية، أن القدس هي مدينة يهودية خالصة.
الغضب الفلسطيني في وجه مخططات الاحتلال الإسرائيلي، لتهويد المسجد الأقصى أعاق بصورة أو بأخرى، تحقيق أهداف نتنياهو في رسم معالم الدولة اليهودية، التي حلم بها عرابه جابوتينسكي، ويخطو خطوات سريعة لتحقيق الحلم، فهجومه على غزة وتبعتها لبنان، يكشف حقيقة ما يؤمن به حرب شاملة أو هزائم كاملة، فابتلاع الأراضي التي تشملها الدولة اليهودية الموعودة، الهدف الأسمى لنتنياهو وحكومته المتطرفة، فهو يستبق أي خطوة من " أعداء إسرائيل"، للسيطرة والتحكم على كامل الأرض الفلسطينية بما فيها الضفة الغربية( يهودا وسامراء!) وقطاع غزة، والتخلص من أي فلسطيني أو حتى مسلم يقف في وجه تحقيق حلم الدولة اليهودية الكبرى، والقضاء على القضية الفلسطينية نهائيا، وإزالة الشعب الفلسطيني كما زال شعب الهنود الحمر! فهل يحقق نتنياهو مبتغاه.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
كلا والله لن يفلح.....
ولن ينجح بمبتغاه...