قصة قصيرة.. فتاة تفقد حاسة التذوق والشم، يعيد إليها الشم .......!
بعد أن فقدت سلمى الحس بالمذاق والرائحة، كانت تبتلع اللقمة والشربة سادة شفافة أو تصوم عنها .جربت لقيماتٍ مشبعة بالزنجبيل والكمون والعسل والليمون، لكنها كانت صامتة تلزم الحياد دون نكهة، نَفَس،رائحة .
جربت التداوي بمذاق ورائحة الأشياء التي تحب حساء أمها، والعطور الهدية، والشاي العشبي وأنفاس الصباح البكر أو أي رائحة طبيعية لكن دون جدوى .
ناولتها أمها "قهوة أم جمال باللوز" التي جلبها جمال ولم تكن إطلاقاً لتفوت طعام أو مشروبات الجارة الثمانينية .
أم جمال أصابعها مجعدة بين ثنياتها اندست جرول*، الدقة* المطحونة، رائحة كريم الشعر من بسطة الحاجة الأفريقية التي تخلفت عن موطنها ، السيرية*، وصفات جدتها القديمة الخاصة بغسل الثياب والإيدامات والوصفات العشبية، وتوليد الأمهات، وأول عربة تمسها برفقة صلاح، زوجها المرحوم .
كان الوقت يهمل ذراعها عند عتبة المطبخ، ترفع صوت الراديو، وتعد القدور، وتعصب عصبة رأسها، لتنغمس في الطهو. حين لا تلمح مقعدها الخشبي الصغير بحجم ردفيها قابعاً على الأرض، تصرخ للمساعدة المنزلية التي أتمت معها العام الثلاثين :
_ حجة عيشة فين الكرسي حقي؟! .
ثم تصرخ بعد ساعات لجمال :
_ أنا خلصت. تعال شِيل*الصحون، أعطي لبيت الكسناوي، وخالة خيرية، وأم بكُر .
كان ملمس القهوة طرياً على لسانها، الهيل موزون مختارة حباته بعناية ، اللوز مجروش باهتمام ، الحليب مشبع بالأرز المسحوق ونكهة تقليدية ذكرتها بأيامها السابقة في الحارة.
حين نظرت سلمى للكوب الذي أنهته؛ نظرت ثانية فمدت الكوب مذهولةً بالقهوة والنكهة وبالتذوق والشم اللذين عادا .
_____________________________________________________________________
*جرول : حي قديم في مكة.
*دقة : مزيج من البهارات والحبوب يعد من الباعة يطحن ويوضع في كيس بلاستيكي ويؤكل.
*شيل: خذ بصيغة الأمر
*السيرية : لحم مشوي مقطع قطع صغيرة يعد بطريقة إفريقية لذيذة
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات