كمُعظم طلاب الصف، وقفتُ وأجبتُ المعلمة: "أريدُ أن أصبح طبيبة". كان هذا -قبل عشرين سنة- هو الجواب المثالي للطلاب الشُّطار عن مهنة المُستقبل.

وبشكل اعتيادي، يقودنا القدر لنُكمل مشوارنا في تخصص آخر. إلا أنني أظن أن لهذه الذكرى -المُشتركة بين معظمنا- علاقة ما بحُبنا للمسلسلات الطبية.

ربما هو الفضول حول حياة الأطباء وعملهم المليء بالإثارة والأحداث غير المتوقعة، والمواقف التي تحبس الأنفاس واللحظات الحرجة التي تُلبي شغف المُشاهدة لدينا، وتُعيد للذاكرة صورة الطبيب كبطل خارق يُنقذ أرواح البشر.

ولكن متابعة المسلسلات الطبية تفقدُ رونقها وإثارتها بعد أن تدرس في مجالٍ طبي، ولكَ أن تحزر السبب: فالمسلسلات الطبية المُشبعة بالأحداث الدرامية -والعاطفية- لا تُمثل حياة الأطباء الحقيقية في أروقة المستشفيات، بالإضافة للأخطاء الطبية التي يقوم بها الممثلون -لأجل الحبكة- والتي تجعل مشاهدته مُضحكة بعد أن تطلع على الحقيقة..


وهُنا أعرضُ لكم يا أصدقاء أشهر الأخطاء التي تحدث في المسلسلات الطبية الأجنبية:



1- خطأ: الأطباء يقومون بكل شيء.


الطبيب في المسلسل يقوم بكل شيء بنفسه: يستقبل المريض في الإسعاف، ويرافقه في المستشفى، ويأخذ منه عينات التحليل، ويراقبه في الغرفة، ويقوم بالأشعة المقطعية، ويجري له العملية بنفسه، بالإضافة لكونه طبيباً مخضرماً في كل التخصصات (مثل الزبدية الصيني).

في الحقيقة: الأمور لا تسير هكذا!

تتجاهل المسلسلات دور الممرضات، والمخبريين، والصيادلة، والمعالجين الفيزيائيين، والفنيين، وموظفي المشفى الآخرين، فلكل فرد من الطاقم الطبي "دورٌ متخصصٌ" يركز جهوده فيه، وقد يتعرض للمُساءلة إن تعدى على تخصص غيره.



2- خطأ: عودة الذاكرة الكلية فجأة بعد صدمة.


فنجد البطل يفقد ذكرياته وما تعلمه من حقائق بشكل كامل، وينسى هويته ومن أين أتى. هذا الفقدان المُفاجئ والعميق قليل الحدوث على أرض الواقع! فغالباً ما يتذكر المُصابون هويتهم، ولكنهم يفقدون القدرة على تذكر الأحداث والمعلومات.

قليل، لكنه يحدث، أما سيناريو اصطدام المريض بشيء، يجعله يستعيد ذاكرته!! فهو تخيُّل لم يحدث من قبل.

يحتاج المريض عادةً للدعم حتى يتعلم القراءة والكتابة وقيادة السيارة -مثلاً- من البداية حتى يعود لحياته السابقة، وليس لصدمة جديدة.



3- خطأ: الإنعاشُ القلبي الرئوي الناجح دائماً.


يبدأ المشهد الدرامي الذي يحبس الأنفاس بدخول المريض غرفة الإسعاف وهو على وشك الموت، فيحاول الأطباء إنعاشه وإعادته للحياة وأصوات أجهزة المراقبة في الخلفية الصوتية مع واحدة من "1,2,3 .. Clear"، ثم يبدأ تخطيط القلب بالعودة للطبيعة، ويلتقط المريض أنفاسه، ويفتح عينيه ممتناً لمن أنقذ حياته.

مرةً أُخرى: لا تسير الأمور بهذه السرعة!

الإنعاش القلبي الرئوي CPR إجراء أصعب مما يبدو على الشاشة، ويحتاج لتداخلات طبية مختلفة، ولا ينجح في أغلب الأحيان (ينجح بنسبة واحد إلى 30، بحسب AHA) وحين ينجح فمن الشائع أن يخرج المريض بأذية في الأضلاع، ووضعه على أنبوب للتنفس، وفي حالاتٍ -أقل شيوعاً- يُصاب بأذية دماغية.



4-خطأ: استعمال جهاز الصدمات الكهربائية (Defibrillators) عند موت المريض


جهاز الصدمات الكهربائية من الاختراعات العظيمة بالفعل، ويقوم بإعادة النظم للقلب في حالات محددة من اضطرابات نظم القلب كالتسارع والرجفان البُطيني وغيرها. وعلى عكس ما تتوقع فهو لا يُغذي القلب بالكهرباء، ولكنه يُوقفه ليُعيد تشغيل نفسه ذاتياً (لا تسخر بعد اليوم من الذين يُحاولون إصلاح الجهزة بإعادة تشغيلها).

فإذا كان القلب متوقفاً تماماً (في حالة توقف الانقباض Asystole) ويظهر تخطيط القلب بخط مستقيم، فلا فائدة للجهاز هُنا (لا يوجد نَظمٌ أصلاً ليُعيد تنظيمه)

الأفظع من هذا الخطأ، هو مشهد فرك ذراعيّ جهاز الصدمات الكهربائية ببعضهما، لأنه لا يعمل هكذا أولاً، وقد يؤدي لإفساد الجهاز ثانياً..



5- خطأ: مريض الفُصام لديه عدة شخصيات.


وهذا الخطأ شائع في المسلسلات العربية والأجنبية على حد سواء، إذ يُصور لك مريض الفصام كشخصٍ له وجه بريء، لكنه عنيف ومؤذٍ وله شخصيات متعددة. الفصام (schizophrenia) مرضٌ عقليٌّ شديد، يُفسر فيه المريض الوقائع من حوله بطريقة غير طبيعية، ويترافق مع مجموعة من الهلوسات والأوهام وضعف في التواصل مع المُحيطي. يميل المُصابون بهذا المرض للانعزال عن الأصدقاء والعائلة، ويُعانون من اضطرابات في النوم، والسلوك. ونادراً ما يكون المريضُ عنيفاً!

أما اضطراب الشخصيات المتعددة (Multiple personality disorder) فهو حالةٌ مختلفة تماماً، ولا تمت للفُصام بصلة، ولا يزال بعضُ الأطباء لا يعتبرونها مرضاً عضوياً حقيقياً.



6- خطأ: لا يهم أن يرتدي الطبيب زيًّا مخصصاً.


يرتدي الأطباء وأفراد الفريق طبي ملابس خاصة بالعمل، ليس لتُميزهم عن باقي موظفي المستشفى فحسب، ولكن حتى لا تعلق بملابسهم الجراثيم أثناء تعاملهم مع المرضى، ويعودوا بها لعائلاتهم في المنزل. الجراثيم الموجودة في المستشفى أشد خطراً من التي تنتشر في خارجه.ولذلك فعدم ارتداء المعطف الأبيض كما يفعل د.هاوس أثناء العمل لرغبته أن لا يعرفه المرضى، حجة فارغة.



صُنّاع الأفلام لا يهتمون بما يحدث على أرض الواقع بقدر ما يهتمون بإثارة فضولك لمتابعة المسلسلات والأفلام. ولهذا يُنتجون أعمالاُ مشوقة، لكنها لا تصلح لتأخذ منها علماً دقيقاً يُعتمد عليه.

ما ذكرته اليوم ليس الأخطاء الوحيدة، ووجودها لا يعني أن المسلسل لا يستحق المشاهدة، وإنما دعونا في واقع حياتنا نأخذُ كل شيءٍ عن أهله: الصحة من المختصين بها، وصناعة الأفلام للمختصين بها..


ودمتم بصحة وعافية



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

رائعة دكتورة هنا الأسلوب و الطرح ممتع و مفيد جداً و المعلومات أول مرة أسمعها 😍

إقرأ المزيد من تدوينات هنا عاقولة

تدوينات ذات صلة