تخيل العالم بلا لقاحات .. لعلهُ هُو السؤال الذي لا يتخيله مُروجو الحملات ضد اللقاحات (الشريرة) وضد الأطباء (المجرمين) وضد شركات الأدوية (المتعطشة للنقود)..

هل نستطيع أن نلومهم إن كُنا نحن (مواليد الثمانينات على الأقل) لم نُشاهد حالاتِ حصبة، أو شلل الأطفال، أو الجدري أو حالات السعال الديكي إلا في الكتب والمراجع الطبية (والمسلسلات).. نحن بالكاد نتذكر جدري الماء!


العالم قبل اللقاحات:


في لانكستر (بولاية ماساتشوستس الأمريكية) عام 1740م، واجهت عائلة ريبيكا وجوزيف موريس كابوسهم الأسوأ بوفاةِ 6 من أطفالهم تِباعاً خلال شهرين! عادت القاتلة بعدها بعامين لتقضي على أطفالهم الثلاثة المتبقين، وتتركهم دون أطفال كما فعلت مع 23 عائلة أخرى في الحي المجاور لهم فقدوا كل أطفالهم. لقد كانت الدفتريا..


  • في الثلاثينات من القرن الماضي، كانت الدفتريا تحتل المرتبة الثالثة في التسبب بوفاة الأطفال تحت سن الخامسة، وسُميت بالملاك الخانق لأنها تُشكل غشاءً رمادياً في مجرى تنفس الطفل، وتخنقه!
  • وفي الخمسينيات (وقبل اكتشاف اللقاح)، يُعتقد أن الحصبة (Measles) أصابت 135 مليون شخص حول العالم سنوياً: 30% منهم واجهوا مضاعفات خطيرة كالإسهال الشديد، ونوبات صرع، وذات الرئة (والتي كانت كفيلة بقتل المريض وحدها)، والتهاب الأذن وفقدان السمع، والأسوأ من كل ذلك التهابات الدماغ (Encephalitis, SSPE)، والتي وإن شُفي منها الطفل فقد تختبئ في الجسم وتعود بعد سنوات ليُصاب بأذية في الذاكرة والسلوك ووظائف الجسم. إضف لهذا نسبة وفاةٍ قد تصل إلى 5%.
  • وفي أوائل الستينات، أصيب أكثر من 12 مليون أمريكي بالحصبة الألمانية (Rubella)، تسببَت بولادة 20 ألف طفل بتلف في الدماغ (بما فيها التوحد)، وتشوهات خلقية أخرى، وأُجهضت 11 ألف حالة حمل، ووفاة 2000 طفل!
  • أما في السبعينات، فقد عانى الناجون من الجدري (Smallpox) من الإصابة بتشوهاتٍ، وبتلف في الدماغ، وإصاباتٍ بالعمى!!
  • بينما جدري الماء (Chickenpox) الذي لا يخافه أحد كان يتسبب بوفاة 100-150 طفلاً كل عام قبل 1995!

والقائمة تطول.....


هنالك عدد كبير من الأمراض (السل، وشلل الأطفال، والروتافايروس، والتهاب السحايا، والتهاب الكبد، وغيرها) التي حرمت آباءً من النوم، وجعلت مراقبة طفلٍ وهو يكبر، ويتحدث، ويخطو خطواته الأولى، تبدو كرفاهيةٍ وحُلم عند من عاشوا قبلنا بعقود قليلة.. ربما تجد الآن سبباً مُقنعاً يدفع العائلات في الماضي لإنجاب الكثير من الأبناء بينما نحن اليوم نميل لإنجاب القليل من الأطفال دون خوف من فقدانهم، وربما عرفنا السبب الذي يجعل المجتمع الطبي متشبثاً باللقاحات بشراسة.



العالم بعد اللقاحات:


حتى مع وجود كوفيد19 فنحنُ نعيش وضعاً مقبولاً مستقراً، وربما نخاف من الحرب والتهجير وحوادث السيارات والجوع والبرد أكثر من المرض بجرثومة صغيرة. إلا أنه يمكننا تقديرُ أن اللقاحات تحفظ حياة 13 مليون طفل سنوياً. فقط تفكّر بعدد سكان كوكبنا اليوم وستُدرك الفرق بين اليوم والأمس البعيد.

منذ وقت قريب كنا نستطيع الذهاب للحج والعمرة دون أن نخاف المرض مع اكتظاظ الحجاج والمعتمرين ووفودهم من شتى بقاع العالم (السليمة والموبوءة على حد سواء). بينما السفر إلى المناطق التي تنتشر فيها الأوبئة -اليمن وأفريقيا وأفغانستان والهند- فقد صار ممكناً من الناحية الصحية (صعباً من نواحٍ أُخرى).


ماذا عن آثار اللقاح الجانبية؟

مِثالي المُفضل لهذا النوع من الأسئلة، هو لقاح الحصبة (MMR) سيء السمعة، والذي في الحقيقة يُسبب آثاراً جانبيةً ضئيلة، فبعد اللقاح:

  • 10% من الأطفال يُصابون بارتفاع درجة حرارتهم.
  • 5% يُصابون بطفح جلدي خفيف.
  • 0.001% يُصابون بتفاعلات تحسسية تحتاج للمعالجة.
  • 0.0001% يُصابون بإلتهاب بالمناطق التناسلية.
  • 0.0001% يُصابون بإلتهاب في الدماغ..
  • وكُلهم يتعافون بسبب التقدم الطبي وتطور تقنيات العلاج (لا تنسَ أن تعد الأصفار)


التوحد؟

لن أذكره بكل تأكيد بعدما أثبتت دراسات أجريت على 650 ألف طفل في الدنمارك أنه لا يوجد علاقة بين التوحد واللقاح. ولكن يُمكن ربط زيادة حالات الأطفال المُصابين بأمراض كالتوحد وفرط النشاط وعُسر القراءة، بتزايد عدد الأطفال الأحياء حول العالم، أما اللقاحات فبرّأتها الدراساتُ مراراً.



التجربة اليابانية:


واجهت اليابان أزمة وباء الشاهوق (السعال الديكي) بعد الحرب. وفي عام 1974 م، تلقى 80% من أطفال اليابان لقاح السعال الديكي. في ذلك العام، بلغ عدد الأطفال الذين أُصيبوا بالمرض 393 حالة فقط في جميع أرجاء البلاد دون أي حالة وفاة..لكن القصة لم تنتهِ، إذ أن الآباء اليابانيين توقفوا عن تلقيح أطفالهم ضد السعال الديكي بالتدريج (بسبب الخوف من آثاره الجانبية!!)، حتى انخفض تعدادُ الأطفال الذين تلقوا اللقاح إلى 10% فقط عام 1979 (خلال 5 أعوام)، وعندها حدثت الكارثة: أصيب 13 ألف شخص بالسعال الديكي، 41 منهم فارقوا الحياة (من يدري كيف ستكون الوفيات لولا وجود المضادات الحيوية)



أن ننسى الأوبئة، لا يعني بالضرورة أنها اختفت من العالم!


مرض واحدٌ اندثر على وجه الأرض وهو الجدري عام 1980 (وربما الطاعون البقري مثله)، بينما لاتزال بقية الأمراض موجودة بمعدلات أقل حول العالم. بعض الدول مثل أمريكا "كانت" تُعد نظيفة من الحصبة (أكثر من 95% من المجتمع مُطعم ضد الحصبة) ونتيجة للحركات المعادية للقاحات قلّ إقبال الناس على التطعيم.

ثُم حدث ما لم يكن في الحسبان: سائح واحد مُصاب بالحصبة نقل العدوى ل222 آخرين في حديقة ديزني بكالفورنيا، وهكذا أصبحت أمريكا مهددة بعودة الحصبة لتعتبر داءً مستوطناً في البلاد.

دول أوروبية أخرى مثل ألبانيا وجمهورية التشيك واليونان والمملكة المتحدة كانت تعد خالية تماماً من الحصبة، حتى أعلنت منظمة الصحة العالمية عودة المرض إليها في أغسطس\آب قبل عامين.

والحصبة -وحدها- عدوّ شرس، ولا تترك المتعافين منها قبل أن تقضي على ذاكرتهم المناعية، ليصبحوا فريسةً سهلة للجراثيم المُحيطة (كوفيد19 مثلاً).

أعداؤنا من الجراثيم لايزالون حولنا، ولازلنا بحاجة للتطعيم.



مثاليةٌ في غير موضعها :


كونك والداً مثالياً، لا يعني أن تحمي طفلك من الأشياء الصغيرة (كالآثار الجانبية النادرة للقاح)، على حساب الأخطار الكبيرة كالمرض.

هل تُغامر بتعريضه لأخطار الأمراض والأوبئة الحقيقية المثبتة بالدليل السريري (كالتخلف العقلي والتشوهات والشلل) لأجل آثار "مُختلقة" كالتوحد؟

وهل تستطيع أن تقرر أن تمنعه من اللقاح بينما أنت مطمئن على نفسك بأنك مُحصن؟

وهل القرار يخصك وحدك؟ أم يخصنا كلنا كمجتمع لا نُريد أن نعود لأوبئة تفوق كوفيد19 شراسةً وفتكاً؟


الآن وقد عرفت شكل العالم قبل اللقاحات، بإمكانك تخيل حياة طفلك والحياة من حوله بدون لقاحات؟



ودمتم وأحبتكم بصحة وعافية .





المصادر:

https://www.cdc.gov/mmwr/preview/mmwrhtml/mm6115a1.htm

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4024226/

https://www.cdc.gov/vaccines/vac-gen/whatifstop.htm

https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(97)04334-1/fulltexthttps://polioeradication.org/news-post/the-world-without-vaccines/

https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/7206322/

https://www.nationalgeographic.com/culture/2019/08/cannot-forget-world-before-vaccines/

https://www.cdc.gov/mmwr/preview/mmwrhtml/mm6115a1.htm


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

جزاكِ الله خيراً ❤

إقرأ المزيد من تدوينات هنا عاقولة

تدوينات ذات صلة