إن البشر بشكل عام يبقون أجمل في عيوننا كلما ابتعدوا، فمثلهم في ذلك كمثل النجمة البعيدة لا نرى منها إلا النور..



إن أحد أهم قوانين السير في ألمانيا و أعتقد في العالم أيضا هو أن تحافظ على مسافة الأمان مع السيارات الأخرى فلا تزيد في قرب أو بعد..

ذلك بأن هذا سيمنحك المجال و الوقت الكافي للتوقف في اللحظة المناسبة..

و علاقات البشر مع بعضهم لا تختلف كثيرا عن هذا القانون..

فإن الحفاظ على البعد الكافي سيجنبك في الواقع الكثير من الصدمات و سيمنحك كمية اكبر من راحة البال..

ففي كل إنسان تعرفه يوجد إنسان لا تعرفه..

إن الناس في اللحظات الأولى من اللقاءات ينجذبون للاشياء البراقة و ينبهرون بها مما قد يعمي عيونهم عن كثير من الحقائق..

لكن ليس كل ما يلمع ذهب..

القمر الذي طالما استعاره العرب للتعبير عن جمال المرأة و شدة سحرها، ليس في الواقع إلا بضعة صخور اكتشفها العلماء بعد أن أرسوا مراكبهم الفضائية على سطحه..

فعندما تقترب من الشيء تقترب اكثر و أكثر من حقيقته الصادمة، التي ربما لن تنال إعجابك كما كنت تصورها في خيالك..

و الشخص الذي تظن بأنك تعرفه تمام المعرفة و تلم بخفاياه و تحيط بجوانب شخصيته، سترى مع الوقت أنك كنت تضعه في إطار لا يشبهه و هو إطار تفكيرك و تصورك له و ليس بالضرورة ان يكون ذلك صحيحا و حقيقيا..

و مع هذا كله فإن الحوادث التي نتعرض لها من شدة الاقتراب تكون ضرورية أحيانا لنستيقظ من غفلتنا و شدة انبهارنا فتسقط الأقنعة و تتعرى النفوس واضحة أمامنا، و يأخذ التعامل معها شكلا آخر يختلف عما كان عليه سابقا..

لكن هل يعني هذا أن ننسى ماضيهم الجميل _إن وجد_ و ننسف كل ما فعلوا بعد موقف أو اثنين لم ينالا إعجابنا..

هنا يلفت علماء النفس نظرنا إلى فكرة مهمة جدا، و هي الجانب المظلم من الشخصية..

هذا الجانب موجود عند جميع البشر مهما بلغت درجة طيبتهم و رقيهم الاخلاقي، فإن هناك صفة مظلمة لكل إنسان و هذا ما لا مفر منه..

فأنت تتعامل مع طبائع بشرية و ليس مع الملائكة..

فكل منا يخطئ و يصيب و لا يوجد تعريف واضح للخطأ و الصواب..

فما تراه أنت صحيحا قد أراه أنا عكس ذلك..

و هذا هو غالبا مصدر الخلافات..

و مشكلتنا أيضا بأننا نرفع سقف توقعاتنا مع من حولنا من أصدقاء أو أقرباء أو زملاء عمل فننتظر منهم أن يبادلونا مشاعرنا و يعاملوننا بنفس الطيبة التي نعاملهم بها، و نريدهم ان يتصرفوا بما نحن نتوقعه منهم لا بما تملي عليهم شخصياتهم فتحدث الفجوة بين الواقع و الخيال..

لا زال هناك سؤالا، لابد من مناقشة إجابته..

هل نبقى معهم بعد صدمتنا بهم و كشف حقيقتهم أم نتركهم إلى غير عودة؟!

أحيانا يشفع لهم ماض جميل و ذكريات لطيفة و أنّ لهم علينا أيد بيضاء، فالحل هنا أن نحتفظ بمسافة امان أكبر معهم في المستقبل..

فلا نتركهم و لا نقترب منهم، و إنما في منتصف الطريق بما تمليه علينا سياسة الحياة..

و في أحيان أخرى يكون الخطأ قاتلا كخطأ من ينزع الألغام من حقولها التي قد تودي بحياته إن لم يكن حذرا..

فهو الخطأ الأول و الأخير، و هذا ما يحدث في حالات الخيانة و الغدر و الغش و الخداع و.. الخ

في هذه الحوادث يكون قد تشوه الماضي و الحاضر و لا نحتاج في المستقبل إلا إلى أقرب مفترق طرق لنبتعد عنهم سبعين خريفا أو أكثر..

فلا حاجة لنا بأمثالهم في حياتنا طالما أن نسبة الاذى كبيرة..

إن البشر بشكل عام يبقون أجمل في عيوننا كلما ابتعدوا، فمثلهم في ذلك كمثل النجمة البعيدة لا نرى منها إلا النور، و كلما اقتربنا احترقنا أو ازددنا انبهارا بأنوارها الساطعة...



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات هديل المصري

تدوينات ذات صلة