أحْسِن وِجهة سفينتك وكُنّ قائِدًا حكيمًا لقلبكَ فالبحرُ مَليئٌ بالأصنافِ مما تشتهي لكن الذي يناسبك وعلى مَقاس قلبك واحد فقط. فتمهلْ!
إنَّ أحكام الإنسان ورؤيته وأفكارهُ عامةً فِرعٌ من تصوره ،وغالِبًا ما تكون رؤيته وقراراته تتعلق بتراكماتٍ نفسية وذهنية انبثقت من تجارب وخبرات حياته بجميع تفصيلاتها .
حيث يؤثر ويَتأثر الإنسان بالبيئة المُحيطة الناشئة حِسيًّا وفكريًّا ونفسيًّا ؛لِيُكَوِّن خيالات معينة يستحضرها عند مواجهة أشخاص جُدد بحياتهُ ومواقِفه عامةً ،وتتدرج خبرات الإنسان العملية في مراحل حياته منذ طفولته ونشأتهُ؛ لِتُحدد مساق تفكيره ومرونته ،وعقلية الطفل كما (المعجون) تشكله بالطريقة والأسلوب الذي تريده ،حتى تطفو الجوانب والمعالم الشخصية والفكرية والنفسية للطفل لتصاحِبه حتى الكِبر ،والخطورة تكمن عندَ تطفل عدة مُشَتِات تُضلل المعاني في النفوس بالوهم والتصنع والتَّكَلُف وتشتت الفكر بخيالات ضالة لا صَوابَ في طريقها ؛ليصدقها الكثير ويتداولها على أنها حقيقة قائمة بعيدًا عن فجوتها الكاذبة !!
أهم أربعة عوامل تؤثر بالتصورات النفسية والذهنية عند الإنسان:
العولمة والإعلام
إنَّ حقيقة العالم العولمي ارتبط بطَمْس الهُوية الثقافية لدى الشعوب ؛وذلكَ بكمش المجتمعات لمجتمع واحد دونَ حدود وحواجز ، مما هَيمَنَّ القَويَّ سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وثقافيًّا ،وبإجتياح العالم العولمي ادعى المُستعمر نهاية عصور الظلام والإستعمار والتنويه وبداية لعصور الحداثة والإقتصاد والديمقراطية والثقافة، ولكن الحقيقة أن ثقافة العولمة الوهمية ما فَتِئت تسخر من الأديان وتشوه صورة الزواج والعادات والتقاليد الثقافية للشعوب بداعي الحداثة والتطور والمواكبة ،
حيث ينشأ في هذه الظروف أجيال منهم الآباء والأمهات وتتعاقب لتؤثر على أبنائهم لتنتقل جيل بعد جيل .
بينما يقوم الإعلام بنشر ثقافة العولمة الرائدة بعالم الإنتاج السينمائي :
- تتمثل في الصغر بالرسوم المتحركة : أنتجَّ أول فيلم سينمائي للرسوم المتحركة عام ١٩٢٨ م 《عائلة ميكي ماوس》 حيث تستدعي شخصية ميكي ماوس وزوجته ميني ماوس معايير الأجناس والجندر في ذهن الطفل لِيُعَرِف الذكورة من خلال شخصية ميكي والشخصيات الثانوية والأنوثة من خلال شخصية زوجته ميني ووضع مقاييس للجمال الأنثى من خلال لباسها وصوتها وطريقة تعاملها .لِتتعاقب أفلام ديزني على كثرتها (سندريلا، الجميلة والوحش ،فروزن ...)
- أفلام هوليوود : يتمثل تأثيرها بتغيرات جذرية لأنماط وتشعبات مفاهيم الجِنس والجندر في الثقافات المختلفة .
حيثُ شَكَلَّت مُنحنيات وهمية ومُتكلفة لتعريف الحُبّ والحياة الزوجية بنسخة العالم العولمي والإعلامي بعيدًا عن الواقعية الفعلية والثقافة العربية الإسلامية وإنما خيالية بحتيّة غربية انساق إليها الكثير من الحالمين بالورد الأحمر والأعياد كَ" الفلانتاين".
وصنعت هوليوود (وهم للسعادة) والحقيقة أن رِداء الخفاء الواهن سُرعانَ ما ينكشف في المصحات النفسية والمحاكم .
البيئة الأسريّة
حيث تبني تصورات الفرد النفسية والإجتماعية من خلال علاقة الوالدين ببعضهما وشخصية كل منهما وطريقة تعاملهما مع الأبناء واختيارهما لِسُبل العِقاب والمُكافئة وحتى روتين اليومي للعائلة يؤثر .فكثير من الشباب ينتقدون تفكير الوالدة (بالرجعية والقِدم) ولكنه بالمقابل يُطالب زوجته مستقبلًا بِطِباعِ أمِهِ وَمُشابهتها ،وكذلك الفتاة تُطالب زوجها بشبه والدها ؛لأنّ هذهِ التصورات والتوقعات والأفكار تجاه الزوجة أو الزوج نشأت من الأسرة ومن خلالها كمنظوم واحد.
البيئة التعليمية المدرسية
حيث تعبر البيئة المدرسية عن أفكار واهتمامات وثغرات الأجيال على حَدٍ سِواء .حيث تتوسع تصورات وأفكار الفرد ويكتسب الكثير الجديد ليدخل لمجتمع أوسع مع أقرانه والروايات المُتداولة بينهم بين القصص والأخبار والأفلام والمسلسلات والأبطال والموسيقى والبرامج المُتابَعة وصولًا لِسن البلوغ وإشراك من حوله بالتغييرات الطارئة جسديّا ونفسيًّا وسيكولوجيًّا عليه وتعاملهُ معها .
البيئة التعليميّة الجامعية / العَمَليّة الإجتماعيّة
في هذه المرحلة تتوسع منظومة الفرد ليتعامل مع المجتمع كَكُلّ لإحتكاكه المُباشر فيه بعيدًا عن الإنضباط المدرسي .
حيث يبدأ الإختلاط والإندماج في المجتمع والتعبير عن الإهتمامات والرغبات وسير المقاهي والمطاعم والمحال التجاريّة والمشتريات والمواصلات والزُملاء في العمل والأعمال التطوعيّة الجامعيّة . ليتأكد الفرد من صحة التصورات في مخيلته أو ينفيها أو يغيرها أة يُعدّلها تجاه القضايا المجتمعيّة .فتحدد الجامعة والعمل بعد مرحلة المدرسة صدق المسار وصحة التَفَكُر .
~~~
هذه العوامل الأربعة بِمكنوناتها وتجاربها وخِبراتها تُكَوِّن عند الإنسان خيالات وتصورات معينة في ذهنه غير أنّ صحتها وصوابها غير مُحَتَم بالضرورة فتحتمل الخطأ والصواب،
لذلك كثير منّا من يؤمن _بالحُّب من أول نظرة_ ويقع ضحية خيالاته الذهنية الناشِئة بفعل العوامل الأربعة السابِقة ،
فإذا تحرك شعور بداخلك تجاه شخص ما؛ فاعلم أنّ مخيلتك استدعت صورة إيجابية أو نظرة تعجبك بُنيّت سابقًا في شخصك مثل(نشوة ،مظهر خارجي معين يجذبك، رائحة عطر مميزة تعني لكَ شيئًا ،سلوك لفت نظرك..) والحقيقة أنَّهُ (إعجاب لحظي) يزول بمجرد زوال ما أحببته ،وربما يكون بداية لعلاقة حقيقية لكنه لا يكفي ،فقال الشاعر عبد السلام الكلبي :" أَتَاني هَواها قبلَ أَنْ أَعْرِفَ الهَوَى فصادَفَ قَلْباً خَالياً فَتَمَكّنَا" ،
فإذا لم يُجرب الإنسان علاقة حب وعاطفة حقيقية في المراحل الأربعة السابقة _علاقة مودة مع الإخوة، مع الوالدين،صداقة حقيقية .._ يغيب النضج العاطفي ليستهلك مشاعره وقوته وجهده في دوامة من الوهم والخيالات ،مما تهتز ثقته بالآخرين وقدسية الحُبّ في قلبه .لذا هناكَ الكثير من البشر من لا يؤمن بطهارة وصدق مشاعر الحُبّ الحقيقي ووجودة الفعليّ ؛وذلك لأنهُ قد مرَّ بتجارب ناقِصة واهِنة ومخلوطة بين الإعجاب والخيال.
فاطفئ مخيلتك لشكليات وخيالات الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعيّ.
الحذر الحذر من شكليات المواقع الإفتراضيّة فالتَّكلف والتمثيل والتَصنع عنوانها ،مما استهوت عقول الكثير لإستغلال جانب الجهل العاطفيّ والخيالات الواهِنة لتلبية رغبات المثالية في الإنسان فلا تُحَبِذ النفس نشر الواقع السلبي الداخلي وإنما نشر أفضل ما لديه ،وقد يكون حقيقي أو غير حقيقي .وهناك من يستغلها ويستدركها تلبيةً لرغباته الحيوانيّة وإقامة علاقات غير شرعية تصل للمحاكم وسفك الدماء وإزهاق أرواح ضحية الجهل العاطفي والضعف البشري.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات