قرّرت كعادتي في كل صباح، وضع نوايا واسئلة لاستشعر الجمال في كل شيء، أخذتُ قُبّعتي وتوجّهت للعالم الخارجي.
وأنا أتأمّل الطُّرُق والممرّات، وجدتُ الأشياء التي أعبر من خلالها تتحدّث دون جُهد منها أو عناء، تتصّل بعقلي اللاواعي عبر جزيئات الهواء لتُشكّل هالة طاقيّة مُشفّرة بلُغة الكون. البُعد المُوازي لبُعدنا المادّي، لا يُرى بالعين المُجرّدة ولكن تستشعره بقشعريرة تسري في جسدك، ونسيم لطيف يلمس رُوحك فتبتسم بثقة.
وكأنّك بداخل مشهد يُعاد للمرّة التاسعة بمعدّل مئة وعشرين إطار في الثانية لفيلم يُصوِّر حقيقة الصحون الطائرة ونظريّة كرويّة الأرض من تسطيحها!
مرَرتُ بالكثير من الصور التي أدخلتني في كومة مختلفة من الشعور في آنٍّ واحد، أرضٌ تَدُبُّ فيها الحياة . .
أصوات الباعة، أبواق السيارات، تحايا المارّة. رائحة الأطعمة، أزهار اللافندر، وبقايا السيجارة، تَعُمُّ الأرجاء . . .
أين الموسيقى؟
أي أرضٍ تلك التي تخلو من صوت الطبيعة؟
وقفت بالمنتصف وكأنّني مايسترو أراد أن يُكمل معزوفته في منتصف سيمفونيّة ضائعة دون جمهور حقيقي ليستمع له. أرفع عصاي برقّةٍ وحزم، أُعلِن بتلك الحركة المُقتضبة، بِدء مراسم العزف المنفرد، المتصّل ببُعدٍ غير معترفٍ به لدى الكثير، ولكنّني أشعر به بمفردي! حلقةُ الزَّمكان، تفاحة آدم، مثلث برمودا، جوقةٌ عند الناصية يترأّسها عازفٌ يتوسّد آلة التشيللو العظيمة، يُهَمهِمُ معها وكأنّه يؤدّي رقصة ما. يفهمها وتشعر بحُزنه، تُقرّرُ أن تكون صوته، يتّصلا ثمّ تنحني الجمادات تحيّة للرحيل معهم إلى عوالم أخرى، لا يسكنها سوى سحر الموسيقى العذبة؛ صوت الشارع والأمل السرّي بالبقاء.
٤ نوفمبر ٢٠٢٢
اسطنبول
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات