أمي . . كل أشياءك كانت تنتظرك! بس انتي ما أخذتيها ولا ودّعتينا؟ كيف المفروض دحين نودّعك؟

رسالة الصباح

صوت كلتوم وهي تناديني

شعوري في الحلم

أمي في بالي

صوت باب المجلس وهو ينفتح

صوت كلتوم وهي تقول:

رغيد تقولك تعالي المستشفى

يدي صارت ترجف

أنا أعرف قلتلها

تنفجر كلتوم بُكى

تعرفي؟

ماتت خلاص؟

كلتوم تقول ما أدري

لبست بنطلوني الأسود

وبلوزتي السودا

شفت الثياب معلّقة ع الباب

أخذت نظارتي السودا وخرجت

كان اليوم زي أي يوم ثاني

ماكان واضح إنه مختلف

الحياة بتمشي طبيعي

وكل واحد قاعد يعيش حياته

ليش محد يحس بالثاني؟

كيف كل شيء مثل ما هوّا؟

كان شعوري هو الوحيد المختلف بس

ماكنت أحس بأي تفاصيل في الطريق

ولا أشوف شيء وكأنّي في بُعد آخر

كأنّي في عالم مُوازي مافيه أحد إلا أنا

في الطريق كنت أفكر أو أتذكّر أو أتخيّل

ما أعرف بالضبط ايش كانت العملية اللي تدور في ذهني؟

ماما وناني وكيف حتكون الصدمة عليهم؟

كيف مشاعرهم؟ وكيف حقدر أصبّرهم وأهدّيهم؟

كيف حتكون مشاعرنا كلنا؟ وجيهنا وإحنا نحبس البكيه في عيوننا؟


صوت . . خرّجني من كل هذي الدوّامة

كان صوته عالي بس مدري من وين جا

الشبابيك مقفلة ولكن الغراب كأنه جالس عند كتفي


فهمت هنا إنه كل شيء أعيشه حقيقي مو مشهد بطيء في كابوس

وصلنا مواقف سيارات المستشفى

رغيد اتصلت للمره الرابعة

تعالوا بسرعة

خرجت أمشي على رجلي

دخلت المستشفى

كل الناس طبيعيين

كيف محد يعرف إن عندنا حالة وفاة؟


قولولهم . .

خلّوهم يشاركونا مشاعرنا؟

كل مره أطلع في نفس المصعد

واليوم كمان مالقيت إلا هذا المصعد الكئيب

رفعت راسي وشفت رقمه ٤

اسألك يا واحد يا أحد أن تحمي أهلي من فواجع الأقدار

نزّلت راسي للأرض واستسلمت

بكيت قد ما كنت أهرب من هذا المشهد

ما لقيت غير يد معتصم وشدّيتها بقوّة

الوقت كان شريط بطيئ ينسلّ من يدّنا


انفتح المصعد على الدور الخامس

العناية المُركّزة اللي احتضنت أمي أربعين يوم

مرّت الأيام في صلاة / ترقُّب / تضرّع ودعاء

آمال وأحلام بنيناها عشان نعيشها مع أمي لمّا تتعافى

كانت كلها أوهام لا تُسمن ولا تُغني من جوع

كان الموت عليك يا أمي محتوم محتوم


ليش ما ودّعتينا؟

ليش ما قلتي لنا إنك بتتعبي كل هالتعب؟

ليش ما قلتي لنا إنك بتطوّلي المرّه هذي في المستشفى؟

قبلها بيوم / أسبوع / شهر أو سنة؟

ليش ما هيّئتينا لفراقك؟

أمي انتي روح البيت ونورنا تدري صح؟

دايمًا كنت أقولك كذا فاكره؟

شفتيني من ورا القزاز الشفاف الكبير؟

سريرك كان رقمه واحد ١

من يوم ما شفت الرقم قلت:

قل هو الله أحد

استودعتك عند الذي لا تضيع ودائعه

كنتي زعلانه منّنا عشان نقلوكِ العناية

تدري إن هذي أوامر الدكتور عشان صحتك

مو قصدنا نضايقك ولا نتعبك أمي

(إحنا مو معاهم) إحنا للأبد بنكون معاكي

شفتي الخوف اللي كنتي تحسي فيه وقتها؟

كان عايش في روحنا يا أمي من يوم ما تعبتي

شفتي الوحدة اللي حسّيتي فيها في غرفتك المعزولة مع صوت الأجهزة المزعجة حولك؟

من وقت ما منعونا عنك!

من وقت ما خلّيناكِ في العناية وخرجنا

غصب عننا يا أمي والله غصب عننا

كنّا جالسين في الانتظار ندعيلك في كل لحظة بالشفاء والعافية والطمأنينة

ماما / ناني / خالو حاتم / عمبر ورغيد يا أمي

ما تركوكِ ولا لحظة . . .


الفراغ بداخلنا كبير يا أمي

إنّا لفراقكِ يا أمي لمحزونون

كيف يعني ما نناديكِ خلاص؟

ما حنشوفك في بيتك؟

ما حنسمع صوت ضحكتك ولا حكاياتك؟

ما حنلمس يدك ونشمّ ريحتك؟

عطر الليمون اللي تحبيه في الكمدينه

مع سُبحتك وتُوكتك

مخدّاتك ولحافك

كل أشياءك كانت تنتظرك!

بس انتي ما أخذتيها ولا ودّعتينا؟

كيف المفروض دحين نودّعك؟

أمي . .

أمي . .

تسمعيني؟

اختفى الصوت بغيابك

البيت صار مظلّم

محد يجلس في الصالة

نشوفك في كل الزوايا

غرفتك تناديك

دخلتها ماما مرّه وبكيت!

طول الوقت مقفوله

وكأن مفاتيح الحياة وتفاصيلها

نعيشها بس في حضورك!


أمي . .

تعالي . .

لا تروحي اترجّاكِ

ما شبعنا من وجودك

حسّبنا إنك بتجلسي معانا للأبد

ولكنك رحلتِ بعيد وتركتينا

قلتيلنا دايم نقرأ الأذكار

لمّا نحلم بكابوس يخوّفنا

قرأناها يا أمي والله

وما رجعتي ولا صحينا


————


أمي روحٌ وريحان وجنّة نعيم

يوم الإثنين

الساعة ١٢ م

تاريخ ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٢

🌧




GHADA HASAN

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

لا إله إلا الله.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
نحن نشعر بك.. ولستِ وحدك..
رحم الله أمك وأدخلها الله الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب يارب.. هي ارتاحت من الدنيا والله. والموت علينا حق كلنا.
ربنا يصبركم ويربط على قلوبكم يارب..
الله أرحم الراحمين بعباده.. اصبروا واربطوا على قلوبكم بالدعاء لها والعمل الصالح فهذا كل ما تحتاجه منكم الآن..

إقرأ المزيد من تدوينات GHADA HASAN

تدوينات ذات صلة