أن تجد الله هي غاية العمر، ليس شيئا قد تتعلمه في الصغر كما تتعلم النطق و المشي، و ليس حتى مفهوما قد يمرره لك ابواك. بل هي ثغرة تلازمك حتى تملأها






أحيانا أتخيل كيف سأكون يوما أما، و هو يوم أتمناه في القريب العاجل، بالرغم من أني لا أطيق الحفاظات الممتلئة بنتاج الطبيعة، أو ذاك الصراخ الصادر من حلق صغير و القادر على إيقاظ الحي بأكمله. المهم أني سأحمل طفلا بين يدي، ومن تلك اللحظة ستصبح مهمتي في الحياة أن يعيش أفضل ما فيها، و أن يكون الانسان الذي لم أكنه


جزء من هذه الأماني هي أنانية محضة، أدري. أن تحمل طفلا ما لم تستطع حمله، وأن تشبع حاجة نفسك للنجاح في شيء عن طريقه. لكن الجزء الأكبر منها هو حب غير مشروط، يجعلك تحاول أن تعبد الطريق لطفلك، خوفا من أن يسقط في نفس الحفر التي باغتت طريقك


أتساءل الآن عن كيف سأحدث طفلي الصغير عن الله وعن الدين وعن كل شعائرنا. هل سأقص له من قصص الأنبياء أو أملأ عقله الصغير بحواديث الجنة و النار. هل سأضربه يوما ان لم يصلي مع أني أعلم أنه لا يجد في الحركات التي تعلمها روحا تشبع روحه. أن أعلم طفلي الصغير أن يعبد الله هو أصعب امتحان قد أجد نفسي فيه


ذاك أن الهدف من العبادة ليست العبادة نفسها، فلله خلق لا يحصى يعبدونه دون كلل، و لا حاجة له بعبد تعلم كيف يصلي بجسده، و يكرر نفس الحركات لينام بضمير مرتاح، و بروح تظن أن الجنة هي المغزى من الحياة


كيف أعلم طفلي يوما أن الماديات لن تجلب له السعادة و السلام الداخلي الذي يحتاجه، ثم أقنعه بعدها أن عليه أن يصلي كي يدخل الجنة، لأن الجنة فيها مأ كل و مشارب لا تنتهي، و سرر مريحة و حور عين تحت امرته


من الغباء أن أعلمه هذا، ومن الغباء أيضا أن أجعله يرى العبادة ثمنا بخسا يدفعه مقابل الجنة، بل أوده أن يراها صلة وصل بين روحه و خالقها، و أنها طريقه الوحيد ليؤمن لها ما تحتاجه من سكينة. أن يرى ثوابها في عيشه اليومي، أن يراها زادا بدونه لن تكتمل لا حياته ولا مماته


لكنه لن يرى أيا من هذا قبل أن يرى الله، و قبل أن يجده. و هو ما لا أستطيع أنا أن أعلمه اياه. ذاك أن لا أحد يعلم كيف يجده أو أين


هناك أناس محظوظون في الحياة، تكتب لهم الهداية إليه من عنده. لكن في العادة نحن من يجدر بنا البحث عنه، لا أن ننتظر لحظة هداية. ذاك أننا من نحتاجه و ليس العكس


إن طريق البحث هذا قد يكون أصعب طريق تشقه، لكنه و بلا أي شك الأحق من أي طريق آخر. قد لا تدري من أين تبدأ أو إن كان يجب أن تبدأ حتى. الشيء المؤكد أن من يبحث يجد. والشيء المؤكد أيضا أن طفلي سيبحث وحده عن معنى العبادات التي تعلمها، معنى يشبع روحه وليس عطشه للحياة المترفة بعد الممات


أن تجد الله هي غاية العمر، ليس شيئا قد تتعلمه في الصغر كما تتعلم النطق و المشي، و ليس حتى مفهوما قد يمرره لك ابواك. بل هي ثغرة تلازمك حتى تملأها. قد تقضي عمرا دون أن تجده. و حتى حين تجد الله تحتاج وقفة مع النفس كل حين لتتفقد حال الثغرة



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مدونة فاطمة

تدوينات ذات صلة