عن أشيائنا المألوفة، و عن ملازمتها لنا طول الطريق...




جلباب أبي يظهر في صباحات العيد، ينافس في وقاره جلباب فقيه الحي. وهو أول ما يعترض طريقنا، أنا واخوتي، حين نخرج من كهوفنا بملابس النوم، نبحث عن الحلويات وما لذ وما طاب,


ولعل هذا الجلباب هو ما يذكرنا أن اليوم يوم ينبغي أن يعاش مختلفا. فبعد أن تجاوزنا عمر الملابس الجديدة، والدنانير التي تصرف عند بقال الحي، أصبح العيد يوما عاديا. غير أن شخصين لم تتوتر علاقتهم بالعيد، البقال لا يزال يحصد الدنانير من الايدي الصغيرة الممتدة، وأبي يحرص على جلبابه الأنيق وطاقيته البيضاء كل عيد. لم يختلف شيء من عيد لعيد، غير الرمادي الذي يتملك جزءا من لحيته عاما بعد عام، و يزيد مظهره وقارا. فليعذرني فقيه الحي، لكن جلباب العيد يليق بأبي أكثر,


ثم تأتي ليالي الشتوية الباردة، ويصبح هذا الجلباب وطاقية صوفية، التركيبة المعتمدة لمواجهة البرد. ليس نفس الجلباب طبعا، جلباب الشتاء أثقل كأنه بطانية أعيد تشكيلها. في الشتاء يجدد أبي عهوده بعرقه الدكالي المتأصل، ولعله يرى في امتداد ساحة المدرسة أرضه في البادية. ومع ذلك فجلباب الشتاء أيضا يليق بأبي أكثر.


لا أظن أبدا أن كل ما هو غير حي لا يدب فيه شيء من الحياة. و أبسط الأشياء، قد تكون أغلاها. فمثلا ركني الصغير في سطح البيت، والذي لم يصلح لشيء غير جلسات تنقية القمح، كان لسبب غريب، يجعل الكلمات تسبقني الى الحبر. ربما لأنه الركن الوحيد الذي نجح في التقاط نغمات الراديو. كان ركنا يدب بالحياة,

ومئزر المدرسة، بقدر بياضه، بقدر ما تتخلله شتى الألوان. كيف كنت أخط كل تلك الخطوط، لست أدري. لكنه كان السبب في عتابات طويلة تنهال علي يوم الغسيل. مئزري ليس شيئا، بل هو عمر قضيته بين أسوار المدرسة، وكل الحياة التي داخلها.

وجلباب أبي هو الاخر ليس شيئا، بل هو العيد وكل ما فيه، وهو الشتاء وكل لياليه الغائمة.


هي نفس الأشياء قد تكون مألوفة لشخص و غريبة عن آخر. علاقتنا بهاته الأشياء ليست أبدا علاقة مادية، أو علاقة تعلق كالتعلق بالمال مثلا. هي علاقة حنين لذكريات ولت، و هاته الأشياء ليست الا رابطا بين ما كنا عليه وما نحن عليه الآن. رابط قد يحملك من عمر لعمر آخر، أو من طقس لآخر حتى.


ومن أكثر التجارب التي تحبطنا هي أن تفقد أكلتنا المفضلة في الصغر مذاقها المبهر، وأن يفقد الفستان الأروع في دولابنا طلته البهية. ذاك أننا لم نعد نراها بأعين صغيرة عالمها أصغر.


العظمة التي نرى بها الأشياء في الصغر تفقد حجمها حين يبدأ عالمنا في الاتساع، نرى أشياء أعظم و فساتين أجمل و أكلات ألذ. ورغم أننا لم نعد ننبهر بها، لكنها ستظل دوما أشياءنا المألوفة، تماما كجلباب أبي صباح كل عيد.




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

هل لديك فواتير غير مدفوعة؟ هل لديك ديون تريد تسديدها؟ أنت
معطلة ماليًا وتحتاج إلى بدء عمل تجاري؟ لديه البنك
رفضت بسبب سوء الائتمان الخاصة بك؟ لا داعي للقلق بعد الآن
شركة تريسي للتمويل على استعداد لمنحك قرضًا بسعر منخفض
معدل الفائدة إذا كنت مهتمًا بعرض القرض الخاص بنا وترغب في ذلك
تقدم بطلب للحصول على قرض ، يرجى إرسال رسالة إلينا عبر [email protected] ويمكنك أيضًا مراسلتنا على رقم whatsapp +918448747044

أطيب التحيات،
تريسي للتمويل.

إقرأ المزيد من تدوينات مدونة فاطمة

تدوينات ذات صلة