تتمثل المقاومة الفلسطينية في كل التحركات، كبيرها وصغيرها، التي قادها الشعب الفلسطيني لمقاومة الكيان الصهيوني.


بدأت حركات المقاومة منذ فرض الانتداب البريطاني على فلسطين واستمرت حتى يومنا الحالي، وهنا نمر على لقطات سريعة لنشأة وتطور المقاومة الفلسطينية.


نشأت الحركة الوطنية الفلسطينية بعد الحرب العالمية الأولى مع وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1919، وتبلورت أهدافها حول إلغاء وعد بلفور وإيقاف الهجرة اليهودية ووقف بيع الأراضي لليهود، مع إقامة حكومة وطنية فلسطينية منتخبة والدخول في مفاوضات مع بريطانيا تنتهي باستقلال فلسطين في نهاية المطاف. كان في قيادة الحركة الوطنية موسى كاظم الحسيني وخلفه بعد مماته الحاج أمين الحسيني الذي أصبح مفتي القدس سنة 1921، وبتوليه زعامة الحركة الوطنية الفلسطينية أصبح زعيم فلسطين دون منازع حتى عام 1948.

فلسطين قضيتي (المقاومة الفلسطينية)65790165842142540



وبحلول عام 1929 تمكنت بريطانيا من إحباط كل محاولات الحركة الوطنية الفلسطينية لتشكيل حكومة تمثل إرادة الشعب الحرة، وعلى الرغم من ميل قيادة الحركة للمقاومة السلمية للكيان الصهيوني، فقد قامت ثلاث ثورات وُجهت ضد اليهود وتعرضت للقمع من قِبل البريطانيين، وهم: ثورة موسى النبي، وثورة يافا، وثورة البراق.


تميزت بداية الثلاثينات بزيادة الحراك السياسي والتفاعل الوطني وتشكلت في هذه الفترة الأحزاب الفلسطينية، كحزب الاستقلال والحزب العربي الفلسطيني، ونشطت جمعيات الشبان المسلمين والكشافة، كما تشكلت تنظيمات عسكرية جهادية سرية، مثل حركة "الجهادية" بقيادة عز الدين القسام، و"منظمة الجهاد المقدس" بقيادة علنية لعبد القادر الحسيني وسرية للحاج أمين الحسيني. علّق الحاج أمين الحسيني -رحمه الله- على تلك الفترة قائلًا:

"كنا ما نزال حتى سنة 1932 على شيء من الأمل، ولكنه زال مع الزمن، كل عذابنا، كل آلامنا كانت تُعدُّ بعناية، لم يكن أمامنا غير الشهادة"


اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936 واستمرت حتى 1939، وتعتبر أكبر ثورة في تاريخ فلسطين الحديث. كانت البداية بقتل اثنين من اليهود ثم تفاقمت الأحداث تباعًا، وأعلن الفلسطينيون عن إضرابهم حتى تتحقق مطالبهم، وتوحدت الأحزاب العربية تحت اللجنة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني. استمر هذا الاضراب 178 يومًا، ويعد أطول إضراب في التاريخ يقوم به شعب بأكمله، ورافقه ثورة قوية في كافة أنحاء فلسطين.

وصلت الثورة ذروتها عام 1938 واستطاعت استعادة السيطرة على العديد من القرى والمدن من جعبة الانتداب البريطاني، ولكن توافر الدعم الصهيوني عكس الصورة مرة أخرى؛ لتنتهي الثورة مخلِّفةً وراءها آلاف الشهداء والجرحى.


برز العمل الوطني الفلسطيني بعد حرب 1948 في عدة صور، كان منها التركيز على التعليم وطرق الاعتماد على النفس تكيفًا مع الوضع الجديد، والانضمام إلى التنظيمات والأحزاب على مختلف انتماءاتها، والهجرة بعد التهجير سعيًا وراء الرزق، وبدأت الهوية الوطنية الفلسطينية تتشكل نتيجة لوجود حكومة عموم فلسطين ومن بعدها نشأة منظمة التحرير الفلسطينية.


أنشأت جامعة الدول العربية حكومة عموم فلسطين في سبتمبر 1948 لتقوم بتغطية كامل فلسطين التاريخية/الانتدابية وفقًا للولاية القضائية للحكومة، والتي اعترف بها كافة أعضاء الجامعة ما عدا شرق الأردن. ومع سقوط معظم أراضي فلسطين في أيدي الاحتلال نتيجة للحرب، وضم الضفة الغربية للولاية الأردنية الهاشمية، لم يكن للحكومة ولاية فعلية سوى على قطاع غزة، ولم تدم طويلًا؛ حيث وضعت الحكومة المصرية يدها على القطاع (وقد كانت مصر حينها تحت النفوذ البريطاني) وقامت بإدارته، ومُنع الحاج أمين الحسيني، رئيس الحكومة، من العيش أو العمل السياسي في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وعليه ظلت حكومة عموم فلسطين قائمة في مصر ولا دور لها سوى تمثيل فلسطين لدى جامعة الدول العربية دون أي دور أو تأثير حقيقي ملموس.


اتخذت المقاومة أشكالًا محدودة التأثير حتى منتصف الخمسينات، تمثلت في اختراق الحدود وتوجيه ضربات انتقامية للكيان الصهيوني المحتل. وفي قطاع غزة أنشأ الإخوان المسلمون تنظيمات سرية عسكرية، تعاونت مع بدو النقب لتنفيذ بعض العمليات لكسر شوكة الاحتلال، بيد أن الكيان الصهيوني كان يرد على هذه العمليات، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، بعنف متزايد وغطرسة شديدة أدت إلى وقوع مذابح عديدة، منها مذبحة قبية ومذبحة غزة؛ وهو ما فجّر انتفاضة أهل غزة وأشعل عزائمهم للقتال، ومنذ وافقت القيادة المصرية على العمل الفدائي الفلسطيني؛ تدفق الآلاف للتطوع فداءً لتحرير فلسطين، ونفذوا العديد من العمليات، الواسعة والمحدودة، التي أسفرت عن مقتل 1176 إسرائيليًا حتى وقوع العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956.


نشأت حركة فتح نتيجةً لحالة التضييق والمطاردة التي فُرضت على التيار الإسلامي، حيث هَدَفَ تيار من جماعة الإخوان المسلمين وشباب من قطاع غزة إلى القيام بعمل منظم مسلح لا يتخذ شكلًا إسلاميًا، ويتبنى أُطرًا وطنيةً بحتةً تمكنه من تجنيد قطاعات أوسع من الشباب ولا تجعله عرضةً للملاحقة. قامت حركة فتح برئاسة ياسر عرفات، وشكلت جناحها المسلح "العاصفة" وقامت بأولى عملياتها العسكرية في أوائل سنة 1956؛ ليكون إجمالي عملياتها حتى حرب الأيام الستة (حرب 1967) مئتا عملية.


كما تأسست حركة القوميين العرب في منتصف الخمسينات على يد مجموعة من الدارسين في الجامعة الأمريكية ببيروت، وتبنت مفاهيم الوحدة القومية ورفعت شعار تحرير فلسطين وأيدت السياسات الناصرية. شكلت الحركة لجنة فلسطين ومن ثم الجبهة القومية لتحرير فلسطين التي كان جناحها العسكري "شباب الثأر"، لتنشئ أخيرًا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالتحالف مع قوى أخرى، وتم حل الحركة في أوائل سبعينيات القرن الماضي.


ونتيجة للخلافات السائدة بين الأنظمة العربية آنذاك، ومع شعورها بما يحدث على الساحة الفلسطينية من تنظيمات وتحركات سريعة، اتخذ مجلس جامعة الدول العربية بدعم من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قرارًا بإعادة تنظيم الشعب الفلسطيني. وبعد وفاة أحمد حلمي عبد الباقي، ممثل حكومة عموم فلسطين، سنة 1963 شرعت الجامعة بتنفيذ هذا القرار وأُعلن ميلاد منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف.) في مايو 1964 خلال انعقاد المجلس الفلسطيني الأول في القدس برئاسة أحمد الشقيري. وصودق حينها على الميثاق القومي الفلسطيني الذي أكد على الكفاح المسلح لتحرير كل فلسطين وقررت م.ت.ف. تشكيل جيش التحرير الفلسطيني.


توالت العمليات الفدائية الخارجية من لبنان والأردن وانخرطت مع عمليات منظمة التحرير الفلسطينية؛ مما جعل المقاومة الفلسطينية عاملة من داخل وخارج فلسطين. وعقب الحرب التي شنها الكيان الصهيوني على لبنان سنة 1982، والتي قاتلت فيها المقاومة الفلسطينية، نجح الاحتلال الصهيوني في هدم معظم البنية التحتية للعمل الفدائي الفلسطيني، وعليه أصبحت م.ت.ف. بعيدةً عن فلسطين ومحرومةً من العمل العسكري في الدول المطوقة لها. كما تغير الخطاب السياسي الصادر عن م.ت.ف. بشكل ملحوظ، حيث انطلق مؤمنًا بأن الكفاح المسلح هو الحل الوحيد، ثم أخذ يركن إلى تبني مفاهيم السلام مع المحتل الغاصب، حتى وافق عام 1982 على مشروع فاس/ التسوية العربي، الذي اعترفوا فيه ضمنيًا بالكيان الصهيوني وما اغتصبه من أراضٍ عام 1948. تراجع أداء وتأثير منظمة التحرير الفلسطينية منذ ذلك الحين حتى في الوسط العربي نفسه ، وفي المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر لسنة 1988 وضعت م.ت.ف. برنامجًا فلسطينيًا يعترف بقرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947 الذي يقضي بتقسيم فلسطين لدولتين: عربية ويهودية.


وبعد فشل الأفكار العلمانية واليسارية والقومية في حل القضية، بدأ التيار الإسلامي يستعيد حيويته بين الفلسطينيين، بعد أن كان يعمل في الخفاء.


في البداية، عمل الإخوان المسلمون بالتنسيق مع حركة فتح وتحت غطائها مع الاحتفاظ بإدارة داخلية مستقلة فيما عرف بمعسكرات الشيوخ، وظهر الجهاز العسكري للإخوان المسلمين عندما أرسلت القيادة المركزية بعض كوادرها للتدريب العسكري في الخارج سنة 1980، وقام الشيخ أحمد ياسين -رحمه الله- بتأسيس الجهاز العسكري في القطاع وإدارته. كذلك تشكلت حركة الجهاد الإسلامي سنة 1980 ونشطت في العديد من العمليات ضد الاحتلال الصهيوني، وكان أعضاؤها المؤسسون أعضاءً سابقين لدى الإخوان المسلمين. وبمرور السنين أصبح التيار الإسلامي -خاصة الإخوان المسلمون- المنافس الأكبر للتيار العلماني الذي تمثله حركة فتح والمسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية.


نشأت حركة حماس رسميًا مع انطلاقة الانتفاضة المباركة الأولى سنة 1987، واعتُبرت أبرز الأطراف المشاركة في الانتفاضة التي استمرت ست سنوات، وما منعها من الاستمرار إلا توقيع اتفاقية أوسلو سنة 1993. عرّفت حماس نفسها بأنها امتداد للإخوان المسلمين متخذةً من الإسلام منهاجًا لها، هادفةً إلى تحرير فلسطين كاملة من الاحتلال الصهيوني، وكانت ترى أن تحرير فلسطين معركة ستتداولها أجيال متتالية. وبالإضافة إلى حضورها القوي وعملياتها العسكرية الناجحة، رسخت حماس لنفسها شعبيةً كبيرةً بين أطياف الشعب الفلسطيني المختلفة.

قال الدكتور هشام شرابي المعروف بأفكاره المناصرة للعلمانية:

"إن حماس هي الشكل الجديد للمقاومة، نجحت حتى الآن فيما عجزت عنه م.ت.ف. وفصائلها خلال أكثر من ربع قرن في استنباط أشكال جديدة لتنظيم الشعب الفلسطيني وتمكينه من الصراع العسكري الفعال باستقلال عن كل عون خارجي."


ويعترف خبراء الكيان الصهيوني نفسهم ببراعة حماس في إدارة المقاومة، وأن لها أساليب عمل متطورة ومستوى عالي من السرية في تنفيذ عمليات بارزة وقاسية. كان الجهاز العسكري لحركة حماس تحت اسم "المجاهدون الفلسطينيون" وبه ابتدؤوا مقاومتهم خلال الانتفاضة، حتى ضرب الكيان الصهيوني هذا الجناح سنة 1989 ليقوم محله "كتائب الشهيد عز الدين القسام" المعروفة في وقتنا الحالي.


كانت انتفاضة الأقصى (2000 – 2005) أفضل مثال على بسالة المقاومة الفلسطينية وعلى تعاضد الأمة العربية والإسلامية تجاه قضية فلسطين. وكانت الشرارة التي أشعلت هذه الانتفاضة هي زيارة أريل شارون -زعيم حزب الليكود- الاستفزازية إلى حرم المسجد الأقصى، حيث كانت هذه الزيارة بمثابة تأكيد للمطامع الصهيونية في المسجد الأقصى، فاستنفر أهل القدس وقرروا الدفاع عن الأقصى، وسقط في المواجهات الأولى وحدها خمسة شهداء وأكثر من مئة جريح. خرجت المظاهرات في جميع أنحاء العالم الإسلامي داعمة لأهل فلسطين، واشتدت روح العداء للكيان الصهيوني وأمريكا، وقامت حملات مقاطعة ضد الأخيرة. كما كان للإعلام العربي كذلك دور كبير في فضح جرائم الاحتلال من استخدام لأسلحة محرمة دوليًا وغيرها، إلى أن بدأ صخب الانتفاضة يهدأ في 2005؛ لظروف وفاة ياسر عرفات وانتخاب محمود عباس خلفًا له. سقط العديد من الشهداء في صفوف القياديين من حركة حماس، كان أبرزهم الشيخ أحمد ياسين سنة 2004. وحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن المقاومة الفلسطينية قد نفذت 22406 عملية في الفترة من 2000 وحتى 2005. أدت هذه الانتفاضة إلى تحطيم الاقتصاد الإسرائيلي وزلزلت الأمن الداخلي الإسرائيلي، كما أدت أيضًا إلى رجوع العديد من الصهاينة إلى البلاد التي جاؤوا منها.


ونتيجةً لضرب وتفكيك المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية -المتمثلة في حركة فتح- بسبب التعاون الممنهج والشامل بين الاحتلال الصهيوني والسلطة الفلسطينية في رام الله، وتقدم وتطور المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة -المتمثلة في حركة حماس-، ركّز الكيان الصهيوني جهوده في تدمير القطاع أشد تدمير. إلا أنه بعد أعوام من القتل والاعتقال والترهيب لم يتمكن الاحتلال من السيطرة على قطاع غزة ولا إسقاط حكومة حماس التي تدير القطاع؛ فاضطر للانسحاب غير المشروط من القطاع بعد أن أسقطوا آلاف الجرحى والشهداء.


يقول الدكتور محسن محمد صالح، كاتب وباحث فلسطيني، في كتابه القضية الفلسطينية خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة:

"وبالرغم من انتهاء انتفاضة الأقصى، والأوضاع الاستثنائية التي تشهدها الضفة الغربية، وحصار غزة، فإن المقاومات البطولية التي شهدتها تلك الفترة، وتطويرها لإمكانياتها التسليحية وخصوصا في مجال الصواريخ، يؤكد أن روح الجهاد ما تزال قوية في هذه الأمة، وأن قوى المقاومة، وخصوصًا الإسلامية، قادرة على تقديم إنسان جديد يتسم بصموده وجرأته وتضحيته، وقدرته على الإبداع، وإنزال الخسائر في العدو."


وشهادتنا على هبة المقدسيين في الانتفاضة الأخيرة بعد أحداث باب العامود ومن بعدها حرب غزة خير دليل على تطور المقاومة وبسالتها، وخير برهان على قدرة هذه الأمة على التعاضد والتكاتف رغم بثهم الفرقة بيننا.


كانت هذه جولة سريعة دسمة في الرحلة المستمرة للمقاومة الفلسطينية.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات همسات| فاطمة وائل

تدوينات ذات صلة