حدثَ في باحاتِ الأقصى، وساحاتِ القدس، وأوردة قلبي، وُفسحات جوفي.

دقت ساعة الصفر ..


هجم الإحتلال ببنادقهم على الشعب المسلح بالحجارة

الكريمة الطاهرة من أرضٍ طاهرة.


قاومَ الحي ، دافعوا عن أرضهم ، قاتلوا فقتَلوا وقُتلوا ،

من زاويةٍ أُخرى كان الشبّان الفلسطينين قد حشدوا جموعهم بالمسجد الأقصى تظاهراً مطالبين بإبعاد الجنود

من حي الشيخ جراح

وقفة رجل واحد ..


رُميت الرصاصات، قذُفت قنابل للدموع مُسيّلات،

تطايرت من الجانب الآخر الحجرات، من أيادٍ مباركات،

ضد بندقيات حاضرات، بأيدٍ ملعونات.


أين كنتُ أنا ؟

كنتُ ولا زلت، في غربتي الكئيبة، أقسمُ أنني لم أنم تلك

الليلة، كان بعض الإعلاميين والإعلاميات، ينقلون الحدث

على قنواتٍ ممنوعة استطعتُ دخولها آنذاك ..

بدوا وكأنهم ملائكة من السماء مُسوّمين،

في الميدان مُحاربين، وبأرواحهم مخاطرين،

لبثّ مشاهد تلك اللحظات المُرّوعة.


كنتُ أُشاهد وكأنني معهم ، ليتني كنتُ معهم أحملُ

الحجارة وأُدافع بشرف عن أقصايي مثلهم ..


تمينتُ ذلك حينها أي والله، ولكنّي كنتُ في غُرفتي مع

مكتبتي وشاشتي أتابعُ بصمتٍ ظاهر، وصُراخٍ باطن .


خفق قلبي حينها خفقان لم يخفق قبله مثله .

كأنني أصّعدُ في السماء، تسع ساعات، تعرقت، خفت ،

رجفت ، بكيت ، دعيتُ وصلّيت.


تسع ساعات خلف الشاشة ، لم يهدأ لي بال ،

ولم يهنأ لي عيش ..


فجأة يُصاب أحد الإعلاميين بشظية من قنبلة ! ويقول :

ااااااخخ أُصبتُ بكتفي يا أحمد، مُنادياً صديقه أحمد لإسعافه


بلهجة مقدسية كلها رجولة، لم يُفلت الكاميرا التي

كانت حينها سلاحه الوحيد .


أكمل راكضاً إلى سارية من سواري الأقصى،

لا توجد كلمات أديب، ولا جُمل فصيح، ولا عبارات بليغ،تصف حالتي وشعوري حينها ..

وكلي رجاء من الله أن يُجمّل بالانتصار بهجتهم،

وبالفرح والتكبير أصواتهم.


فقد بِتُ ليلتي تارةً مُصلّياً وتارةً داعياً وتارةً خائفاً،

وتارات بالمشاهدة للأحداث مُنكسراً ..


رحمَ اللهُ شهداءَ تلك الأيام ..


تظاهرَ المتظاهرون صاخبين بالحق مستغيثن بالله

وحده ، مُطالبين الثوار في غزّة أن يتحركوا ، لم يهتفوا

منادين الحكومات العربية طبعاً ، لأنهم يعرفون حق المعرفة لوأنهم نادوا لما أُستجيب لهم ، ولما أُنتبه لأمرهم،

ولما رُعيت الأُذن لسماع كلماتهم، وكأنَّ قضية فلسطين

ليست عربية، أولئك الحُكّام لهم معَ الله موعد ..


تراهم بطونهم بالحرام مملوءة، وجيوبهم بالدراهم

مُستفيضة، وعقولهم بالتُرّهات والشهوات مُترعة.


استجاب قائد الثوار لهم حفظه الله من كل مكروه،

فأمطر تل أبيب بالصواريخ رداً على جرائم الإحتلال،

فقتل منهم ماقتل، وأرعب منهم ما أرعب،

وشتّتّ بإذن الله شملهم وأدخل الخوف على قلوبهم

وبأيدِ الأبطال، اللهُ سبحانه عذّبهم .


وبعد خمسة عشرَ يوماً من القصف على غزة والرد من

المجاهدين على تل أبيب ، ومن الصمود والرباط

والاعتكاف بأحياء المدينة وبالمسجد داخله وخارجه،

انتصرَ الفلسطينيين ببغيتهم وحققوا باذن الله مرادهم، فقد

طلب الاحتلال الهدنة بعد مالقوا من الغزاويين

والمقدسيين مالقوا ..(١)


وخرجوا من المسجد بفضل الله ودُفن الشهداء وأُدّيت

الصلوات وارتفعت في السماء التكبيرات ..


ولكن ماذا لو وصل الخبر إلى الشهداء ؟

بأنَّ الطرفين قد عهدوا بهدنة !


من الواضح أنه لايوجد حرب بدون ضحايا

ولا انتصار بدون خسائر، ولا حُرية بدون مُقاومة .


نرجوا من الله تحرير القدس مسرى رسوله صلى الله عليهوسلم عاجلاً غير آجلاً، إنه ولي ذلك والقادرُ عليه.





—————————————————————-

(١) طلب الهدنة حينها من إسرائيل كان بمثابة الانتصار للفلسطينين .



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات عبد العزيز جنيد

تدوينات ذات صلة