كانت هذه 2020 خاصتي! أتت أخذت مني الكثير ولكنها أضافت لي أكثر، محت أشياء عدة ولكن باستطاعتنا أن نكتب بها أشياء أكثر!


" أعزاءنا الركاب، نعلمكم بأننا قد شارفنا وصول آخر محطات 2020، وأن آخر أيامه قد قاربتنا، نتمنى أن تكونوا حظيتم برحلة سعيدة"


تخيلت لو أن هذا الموقف حقيقي فعلا، لو أن 2020 رحلة قطار وتمر على محطات متتالية، وأنني وأننا ركاب على متن ذلك القطار. أكثر ما سأنكره على صاحب صوت المذياع هو ادعاؤه بأنها رحلة سعيدة، بل قد كانت من أصعب الرحلات التي خضتها في حياتي.

كانت مليئة بالحزن والفقد والألم والأسى، لم تكن سهلة ولا يسيرة على الإطلاق!

أذكر كيف بدأتها بكم كبير من الخطط والآمال والأحلام ليذهب جُل هذا أدراج الرياح.

مررت فيها على شتى ضروب المشاعر الإنسانية، درجة أنني استشعرت ابتلاء أن يكون المرؤ إنسانا؛ تحمل جبار لكمية كبيرة من المشاعر والأحاسيس والمسئوليات والالتزامات، وفوقه، فهو مُطالب أن يحفظ اتزانه العقلي مع كل هذه التقلبات والضغوطات. علمت أن من أصعب المعادلات تحقيقا معادلة "لا ضير ولا ضرار" فإن من حتميات الحياة -مهما تُجِنبت- أن نَضَِر ونُضَّر والحياة تسير بين جارح ومجروح وكاسر ومكسور، ولو بنسب بسيطة؛ الهانئ حقا هو من غلبت سعة غفرانه سعة غضبه وحبه معاً.


شعرت فيها بأن الموت أقرب إليّ من أنفاسي بعد فقداني أحد أقاربي، كيف يمكن للحياة أن تأخد منا آخر ما نتوقع فقده وأول شيء لا نستطيع أن نحيا بدونه؟ وكيف بين لحظة وأخرى تتغير نظرتنا لها ولمن حولنا، ُتضاعف مسئولياتنا دون أدنى استعداد منا؟

مررت بأيام كانت وسادتي أنيسي الوحيد ودموعي رفاق ساعاتي الطويلة، كانوا ضيوفا جاءوا دون إشعار مسبق ودون أدنى مبرر للزيارة. رأيت أقرب الناس إلى قلبي ينجرفون بعيدا عني، رأيتهم يفضلون الرحيل على الاستماع، والجزم على إحسان الظن والاعتقاد على الاقتناع، ورأيتهم يجحدون تشبثي بهم، ورأيتني أتخلى!

انعدمت رغبتي بأن أستيقظ للصباحات التالية، ولم ينقذني سوى لطف الله، كما في كل مرة.أكاد أجزم أنني ستنتابني بعض القشعريرة المصاحبة للسعادة لمعرفتي بأنها ستنتهي.



"عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير"

ولأنني لم أكن يوما بناكرةٍ للجميل، ولأن كل قبح لا يخلو من جمال وأي جمال لا يخلو من قبح، فقد منحتني 2020 الكثير الوقت؛ حملتني على إمعان التفكير في أمور كنت أتفادى التفكير فيها، وأمور أخرى كان من الضروري أن أفكر فيها، وأخرى ما كان يجب عليّ أن أعلم عنها شيئا. تقاذفوني ثلاثتهم، حتى انتشلوني من تيار عشت فيه كل ما كتب لي أن أحياه حتى الآن، وحملوني إلى مياه جديدة، لست متيقنة من ماهيتها؛ أهي عذبة أم كدرة؟ لا يهم؛ فأنا لم أذهب إليها بإرادتي، كانت شبه الزامية!

جعلتني أغوص في بحور نفسي أكثر، واكتشفت أبوابا جديدة لم أدرِ وجودها من قبل في ذاتي، لست متأكدة هل تضيف لي خيرا أم أنها فقط جعلتني أكثر سوءا، ما يهم هو أنني وبكل تأكيد قد اقتربت مني أكثر!

أصبحت أحمد الله على كل شيء وأي شيء، تعلمت أن الفرح يكبر بالمشاركة، وأن الأصدقاء خلقوا لتصغر أحزاننا. قنعت بأن الوحيدة التي تشاركني الصباحات والمساءات وفصول السنة ومواسم العام، ليست سوى نفسي، وعليه فإن لها عليّ حق الحب والاهتمام والتقدير والاحترام وبعض الدلال. أدركت أنه لابد من لحظات وهن وضعف تتخلل صلابتي وقوتي، وأنه لا بأس بها على الإطلاق، فما الحياة إلا دول.

علمت أن وجود من يفخر بأصغر إنجازاتك أهم بكثير من حجم إنجازاتك نفسها، وأن فخرك بنفسك في كفة وكل خلق الله في كفة أخرى، وكافته هي الراجحة.

عرفت فيها جلالة العشق وعرفت معنى الألم المصاحب للسعادة، وعرفت كيف يكون الجمال مؤلما لدرجة لا توصف!

وها هو ديسمبر يأتي ليعلن ادبارها وإقبال تاليتها، تماما كأي شيء في الدنيا؛ إقبال يعقب إدباراً وحياة تولد من أعقاب الموت.


"في داخلي شيء خفي، لحن ما، صوت شجي، أغنية عن شهر ديسمبر"

ولأن ديسمبر شهر الأحلام والحب وشهر النهايات، فدعونا نحلم بأعوام أكثر خيرا وأكثر أمنا، دعونا نتخيل حياة جامحة، مع شيء من المخاطرة وبعض التهور الذي يضيف إلى الحياة بهاراتها، دعونا نحلم بتحقيق الأماني ونرسم خطوات الطريق من جديد. فلنتعاهد على الحب، حب كبير لأنفسنا وحب أكبر لله، أن نمتن لكل ما يشعرنا بالحب وكل ما يلف قلوبنا بأمل أن الأرض قريبا ستعود كما كانت، بيتا كبيرا دافئا سالما معافى، أشياء نراها في نمو النباتات وقطرات المطر، لطف الحيوانات وبعض البشر. أتمنى من الله أن يمنحنا ديسمبر نهايات مُرضية، ليست سعيدة ولا مبهرة، ولا تعيسة ولا مكدرة، فقط مرضية؛ رضا يمكننا من استقبال العام الجديد بنفوس واثقة وخطوات مطمئنة مشرقة.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

كل مرة بتبهريني اكتر من اللي قبلها 💖💖

إقرأ المزيد من تدوينات همسات| فاطمة وائل

تدوينات ذات صلة