الله لم يخلق إنسانا مثاليًأ بالكامل حتى نجعله نحن كذلك....!


في دورة تدريبية تخص عملي لإدارة الذات وللتأهيل النفسي، عرفنا المحاضر على ماهر الوحيدي..

ماهر كان يعمل في شركة طيران مشهورة.. مثابر يتقن عمله بكل جد وما كان يميزه أن أفكاره دائمًا خارج الصندوق، لذلك كان متميزًا في حل الأزمات والمشكلات بحرفية وبسهولة لا يقدر عليها باقي زملائه ...

حتى أنه في مرة قبل موعد انطلاق الطائرة حدث خطأ فني واضطرت الشركة تأجيل الانطلاق لعدة ساعات مما جعل صالة المطار المكتظة يسودها الهرج والمرج والتدافع، وعجز الموظفين عن تهدئة الوضع مما جعل واحدًا منهم يستدعي ماهر .. ماهر الذي بمجرد مجيئه وبحكمته وحنكته وإلقاءه خطابًا بارعًا لتهدئة الأوضاع في صالة المطار اطمئن جميع المسافرين..

لم يكتفي بهذا بل ذهب لكل مسافر يسأله عما يحتاجه كبيرًا كان أو صغيرًا.. بل بذل كل ما يستطع للترفيه عن المسافرين وتسلية الصغار ، وبدلًا من أن تكون الخطابات ليست في صالح الشركة بسبب الطارئ كانت ردة فعل المسافرين عكس المتوقع ، كانت كل الخطابات ممتلئة بالشكر على حسن إدارة الأزمة ..!

لم يكن هذا الموقف الوحيد لماهر الوحيدي .. بل له مئات المواقف والخطابات التي تثني عليه في إدارة أزمات الشركة وحل أزمات المسافرين، بل اشتهر بارتكابه بعض المخالفات التي لم تكن بصالحه لحل هذه الأزمات !

لكن هل تعلمون ما المعضلة الكبرى في مسيرة ماهر؟

ليس فقط ارتكابه المخالفات لحل الأزمات والخروج من المعتاد - فماهر كأي إنسان في العالم لديه بعض الأخطاء في مسيرته المهنية- ..لكن المعضلة الكبرى هو أن ماهر رغم كل ما ذكر بالأعلى لم يكن يمتلك روح الجماعة في عمله ، فكان في غالب الوقت انطوائيًا لا يشارك أو يتشارك مع باقي زملائه وباقي طاقم العمل أي أفكار أو أراء أو أعمال حتى العمل الجماعي الذي كان يكلف به.. كان يقوم به بمفرده ويسلمه وحده إلى مديره قبل الجميع ؟


الأمر بالطبع لاقى صدى غير محبب مع زملائه وحمل الحقد والغيرة في صدور البعض اتجاه ماهر..

الجميع يعرف عن بيئة العمل أنها في المقام الأول تنافسية وإذا لم تكن روح العمل الجماعي حاضرة سيصبح التنافس غير شريفًا .. وهذا ما حدث مع ماهر ..

المدير القديم كان متفهمًا لماهر مدركًا قيمته ومواهبه فكان يحفزه ويدفعه لأن يحاول التعاون مع زملائه.. كان كمن يلمع الشيء الثمين من بعض الأتربة العالقة ليخرج الجوهرة التي بداخله، ويهيأ له البيئة حتى يكون قائدًا فيها وليس تابعًا.

أما المدير الجديد لماهر فلم يكن بالمدير القائد فمع أي خطأ يرتكبه ماهر أو أي مخالفة يسرع جميع الزملاء لبث الفتنة في أذن المدير .. ويلقي المدير سمعه لثرثرة زملاء ماهر دون أن يستدعيه ويسمح له بالدفاع عن نفسه ودون أي اعتبار لجهود وانجازات ماهر الواضحة كعين الشمس..

ومع آخر خطأ قرر المدير أن يمضي في شأن فصل ماهر عن العمل !

لم يشفع لماهر جهوده ولا أفكاره التي دوما متألقة ولا إنجازاته المشهود عليها طوال السبع سنوات الماضية ولا الوقت الثمين الإضافي الذي كان يقدمه للشركة ..

طلب المدير أن يبدي كل الزملاء أرائهم في أزمة ماهر في خطابات ..

بالطبع كانت الأغلبية خطاباتهم يندى لها الجبين، خطابات مكتوبة بحبر من الحقد والغل اتجاه ماهر وكل السطور سلبية مسلطة على أن ماهر يجب أن يفصل عن الشركة..

وفقط القليل من كان صادقًا وكتب "أنه رغم انطوائية ماهر مع باقي الموظفين ألا أنه أكفأ موظف بالشركة ولا يُنسى له إدارة أزمات الشركة بحرفية يشهد لها.. ماهر يجب أن يبقى لأجل الشركة".



لكن آخر خطاب كان خطاب ماهر نفسه إلى المدير كتب فيه..

"سيدي المدير، لا داع أن تجعل الجميع يكتبون خطابات ذم عني، اسمح لي أن أقدم استقالتي.. فرغم كل السنوات التي قضيتها هنا في هذه الشركة ألا أنني حزين أنني لم أجد التقدير .. فقط التقدير من الجميع على ما قمت به لأجل الشركة!

مع كل احترامي..

ماهر الوحيدي"



كان سؤال المحاضر هو ما رأينا في ماهر وفي تقديم استقالته؟


كان لدي معارضة بينما قال الجميع أن ماهر فعل الصواب بتقديم استقالته في مكان لا يقدره ، أرى أن ماهر أخطأ في تقديم استقالته والاستسلام بهذه السرعة كان يجب عليه المحاولة للدفاع عن نفسه ، لمواجهة زملائه بما كتبوا ما ليس في حقه.. والحرب من أجل عمله الذي كافح طويلا لأجله ..

هذا كان حق نفسه عليه ..


وإذا استمر الوضع واستمرت بيئة العمل بهذا الشكل السيء واستمر المدير في اضطهاده ربما حينها يكون محقا في تقديم استقالته والانسحاب من مكان لم يعد يقدره بعد أن بذل كل المحاولات ..

وإن كنت أرى أن كل العيب في المدير الحالي

فالمدير السابق عرف كيف يحتوي ماهر ويستغل أفضل ما فيه ويخرج كل الطاقة الايجابية التي بداخله، وكسبت الشركة موظف كفء أنقذ كثير من أزماتها !


رسالتي إلى ماهر كانت:

"هناك مكان آخر يستحقك يا ماهر وسيقدرك ...مكان يستحق أن تبذل فيه كل طاقتك ومجهودك وموهبتك وستلقى فيه كل التقدير.. فقط دون أن ترتكب المخالفات التي ليست في صالحك وليس عليك أن تخرج من جلدك حتى ترضي الآخرين.. فقط لتجعل العلاقة ودية مع زملائك .. وتذكر أن الانطوائية ليست جريمة ما لم تضرك "


سؤالي كان: لماذا لم يتقبل زملاء ماهر بالعمل انطوائيته كما تقبلها الزميلان اللذان أشادوا به وبمهارته في الخطابات؟

العيب الأكبر لم يكن في انطوائية ماهر ولا ارتكابه بعض المخالفات الطفيفة التي يقع فيها أي موظف بل كان في بعض الأشخاص الذين لا يؤمنون أن الله لم يخلق إنسانًا مثاليًا بالكامل حتى نجعله هكذا!

الانطوائية ليست جريمة..


كان على الجميع أن يتقبل ماهر طالما لم يضر أحد حتى لو كان فقط انطوائيًا !

🍁 fardiat
إقرأ المزيد من تدوينات 🍁 fardiat

تدوينات ذات صلة