ماذا لو كانت الرسالة أن أخبر من أمر بحياتهم أن الخير لا زال موجود رغم قسوة الحياة. ه.

مُنذ فترة قابلت امرأة أعرفها جيداً منذ سنوات، سألتها عن حال أبنائها الأربعة فاشتكت لي أنها لا تستطع أن تدرس معهم اللغة الإنجليزية لأنها أمية.. قالت أنها تذهب لجارة لهم متعلمة لتساعد أبنائها في حل واجب اللغة لكن الجارة بدأت تتأفف..

أخبرتها أنني يمكنني مساعدتهم كل جمعة وسبت كنت متفرغة في هذه الأيام من العمل

واتفقنا وبدأت مع أطفالها الثلاثة كل جمعة وسبت

الابنة الكبيرة والولد الأصغر كانوا في قمة الذكاء والاجتهاد لم أجد أي مجهود في التدريس لهم كنت أراجع معهم فقط وأحل وأقرأ لهم الجديد..

لكن الابنة الوسطى كان لديها مشكلة.. ولم أكن اعرف ما هي لكن كانت المرة الأولى التي أتعامل فيها مع شخص استيعابه محدود.. لم أكن أعرف من الأساس أن الاستيعاب درجات كنت احسب أن الجميع بالمذاكرة يتحسن مستواه...


لكن الكثير من المجهود.. الكثير من تكرار الدروس مع الابنة الوسطى يذهب سدى دون أي تقدم!


لا أستطع شرح كيف كنت اتحكم بأعصابي لأكون هادئة ولا انهض واضرب رأسي في الحائط..


حتى من تكراري للدروس كان أخوها الصغير يحفظ دروسها وهي لا!!


مرة كررت كلمات الدرس لها إحدى عشر مرة متتالية.... دون أي استجابة!!


لما قابلت الأم سألتها عن الابنة وعن تعاملها في البيت هل هي انطوائية؟ وأخبرتني تفاجئني أنها أكثر من يذاكر بين أبنائها وأنها اجتماعية جداً.. لكنها ضعيفة البنية وضعيفة التركيز.. استشرت صديقة طبيبة وأخبرتني أن أغير معها طريقة التدريس المعتادة، وكتبت لها على نظام غذائي معين وعلى بعض المقويات..


فعلت... الأمر كان تحدي بالنسبة لي..


مرت شهور درست لها قواعد اللغة الأساسية، وكانت أفضل لحظة لي لما قابلتني أمها في يوم تخبرني أن المعلمة في مدرستها تشكر في مستواها الذي تحسن..

أحسستُ حينها أنني فعلت شيئا كبيرا جداً جداً

ربما أشياء صغيرة وغير متوقعة نراها إنجاز كبير جدًا حتى لو كانت للبعض شيئًا عاديًا.

أرجو حين تكبر هذه الصغيرة أن تظل تتذكرني..

...

أما رنا الكبرى فهيعمتحدثة بارعة جداً جداً تحاورني بشكل مسلي أكبر من عمرها..

وفي مرة كنت اسأل رنا:

- ماذا تريدين أن تصبحي لما تكبري يا رنا؟

طلبت مني أن أكلمها عن الجامعات وعن وظيفتي فشرحت لها عن كل كلية

فاجأتني بعد وقت طويل بقولها بعين لامعة:

-أريد أن أصبح مثلكِ لما أكبر..


لم يخبرني أحد بهذا من قبل أبداً.. وحدها رنا التي أخبرتني

لا أخفيكم خبراً،

اسأل نفسي كثيراً ما رسالتي في هذه الحياة؟

ولما نظرت للثلاث أبناء في آخر مرة قبل أن نتوقف بسبب كورونا...

ورأيت حب رنا لي قلت ولو تركت أثري لشخص واحد في هذه الحياة

فماذا أريد بعد؟

ماذا لو كانت الرسالة أن أخبر من أمر بحياتهم أن الخير لا زال موجود رغم قسوة الحياة وأنني مرسال من الله وأنني لو كنت أفعل الخير فهو ليس مني.. ليس مني أبدًا..

وإنما هو الله..

..

حين يقول أحد أريد أن أصبح مثل هذا ففي تلك اللحظة يراه أفضل شخص في الحياة،

ولكني لا أريد لرنا الصغيرة أن تصبح مثلي حين تكبر حتى لو كانت الآن تراني أفضل من رأت..

غدًا تتعرف على قصص كبيرة... غدا تتغير أحلامها ونظرتها للحياة..

غداً تعرف رنا أنني لستُ أفضل من قابلت..

قصة زينب وأبنائها الأربعة وحرصها المميت على تعليمهم وقولها الدائم لي:

لا أريد أن يكونوا مثلي أميين أريد أن يذهبوا إلى الجامعات أريد لهم حياة أفضل..

قصة كفاحها رغم ضيق يدها.. ومعاناتها والحكايات التي تشاركها معي دون أن تعلم مؤثرة وملهمة جداً في حياتي... كشخص مثلي لا تمر عليه القصص والحكايات مرور الكرام..

.

أخبرتني زينب في مرة أن ابنتها رنا عادت من المدرسة تبكي بقهر لأن حذائها كان مقطوعا وفي الشتاء يتسرب الماء إلى داخل رجلها.. قالت: جلست وخيطت لها الحذاء بصعوبة لكني بكيت كثيراً على بكاء ابنتي حين جاءت اليوم التالي وقد انقطع حذائها مرة ثانية..

وبكيت ثالثة بعجز في الخفاء حين بكت ابنتي لأن صديقتها تعايرها أن ملابسها كلها مستعملة.. ولكنني في اليوم الثالث استيقظت وإذ أرسل الله لرنا حذاء جديد دون أن أطلب من أحد.... ومبلغا أقسمت أن اشتري به لهم ملابس جديدة..

إنه لطف الله الخفيّ وماذا ندرك نحن عن لطف الله؟


أتدرك أن الله استمع لتحاور زينب وبكاءها؟


أريد أن يأتي اليوم الذي يتخرج فيه أبناء زينب من الجامعة لا أعرف أين سأكون وإذا كنت سأزال على قيد الحياة أم لا لكنني لو حدث سأخبرهم كيف عانت أمهم كثيراً من أجل ذلك.. وأنني شاهدة على ذلك.

..

قصة حقيقية من مذكراتي. 💛

Fardiat

🍁 fardiat

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

♥️♥️♥️

إقرأ المزيد من تدوينات 🍁 fardiat

تدوينات ذات صلة