الحياة تجربة وهي رحلة تتطلب جرأة وشجاعة وهي فلسفة، فهي المجرد والملموس وهي النقيض ونقيضه وهي رسالة لنتقبل بعضنا البعض ونحسن من أنفسنا.
تأمل معي أننا رغم تفاصيلنا المختلفة نعيش على ركب واحد .. نمتحن مائة مرة في اليوم .. نظلم بعضنا ونظلم من بعضنا.
ستنتهي الحياة لأنها رحلة قصيرة جدا .. أقصر مما تظن وأظن، لذا ليس علينا أن نكون مثاليين أو معصومين من الخطأ، بل علينا أن نفكر .. فقط نفكر، فربما بالتفكير نفهم الحقيقة التي أمام أعيننا والتي غفلنا عنها كثيرا .
الحياة بين العمق و السطح:
نرى الحياة بشكل مختلف .. وهذا طبيعي جدا، فنحن خلقنا للاختلاف .. كل شاردة وواردة في حياتنا تعبر عن الاختلاف .. الحياة هي كل شيء هي الكون والأرض وكل ماعلى الأرض وهذا ما أسميته الجانب المادي والملموس من الحياة وأغلبنا يعتمد على هذا الجانب .. يرى الحياة في كل ماهو مادي بحت حسب ماتقتضيه رغبته ومصلحته، فالحياة بالنسبة له أرض صالحة للزراعة والبناء والإنتاج و بالتالي الكسب والمال، فهو سطحي في تفكيره نحو الحياة وفي الوقت ذاته يعتبر ذلك الفكر عمقا بالنسبة له وكأن الحياة هي كل شيء و هي الأهم .
وكم نحن مختلفون في نظرتنا للحياة .. بعضنا الآخر يرى الحياة أكثر عمقا وفي الوقت نفسه يستنتج أن الحياة في النهاية شيء سطحي وغير دائم .. الحياة هنا تشكل لهم الذات ..الفعل خيرا كان أم شرا .. الحياة هي الامتحان وهي الوسيلة وليست الغاية، فكيفما استخدمت هذه الوسيلة ستجزى عن ذلك الاستخدام وآخرون لهم نظرة أكثر عمقا فالحياة تعتبر ممرا للمسافرين لا مستقرا أبديا .
الألم و المعاناة تعلمنا معنى الحياة الحقيقي:
التجارب السيئة والأزمات عموما تمثل لنا نحن كبشر كومة من الأفكار السلبية والتي تعود علينا بأضرار نفسية ومادية وغيرها .. أعتقد أن الكثير منكم سيساندني إن قلت أن التجارب المؤلمة التي نمر بها في الواقع ليست أمرا سيئا في حياتنا وهنا لا أتحدث عن كون هذه التجارب تزيدنا صلابة وقوة فحسب، بل أتحدث عن مشاعر شخصية عشتها حين أتى علي حين من الدهر وتحول كل شيء في حياتي فجأة إلى مشاكل وأمور غير محتملة، أوصلتني إلى درجة من الألم حتى أصبحت طريحة الفراش أفكر في معنى الحياة وماهية الوجود، ففي نهاية الأمر كلنا سنموت ونفنى، لما كل هذا الخوف والألم والعذاب؟ لم هذه الحيرة؟
الألم ليس تجربة خلقت للضعفاء أو تجربة للأشرار يجزون بها عن فعلهم .. الألم تجربة لكل حي يراجع نفسه، حتى يعلم من أين يأتي الخلل، هو فقط إنذار يقول لك توقف! أنت تعيش حياتك بطريقة خاطئة أو أنت ارتكبت هذا الخطأ أو ذاك في حق نفسك أو غيرك .. أصلح .. عد إلى نفسك الحرة ومعدنك الأصيل وقلبك النابض بالخير والفضيلة في جوهره .. عد نقيا !
هل نحن مجرمون أم ضحايا؟
كلنا مجرمون وكلنا ضحايا .. نحن نظلم أنفسنا لنرضي غيرنا وأحيانا نظلم غيرنا لنحقق مصالحنا و أحيانا أخرى نظلم غيرنا لنرضي غيرنا أيضا .. معادلة مسمومة .. كلنا ضحايا وكلنا مجرمون، فحبنا لشيء أو شخص ما أحيانا يعمينا ورغبتنا في الامتلاك تجعلنا مجرمين دون أن نشعر .
الفرق هنا بين إنسان وآخر ليست تحديدا في من يرتكب الخطأ مهما كان هذا الخطأ، فلا أحد وأكررها لا أحد معصوم ولا أحد فينا ملاك، نحن بشر تمازج فينا فعل الشيطان بتوبة الملاك، إنما الفرق بيننا في المثال التالي إذ جلس اثنان معا على طاولة ذنب واحد، أحدهما ندم على فعله بعد ذلك وكره نفسه من مرارة الذنب واعتزم ألا يعود والثاني كان يرى هذا الذنب إثباتا لذاته وأصر عليه دون أي ضمير .. هذا هو الفرق بيننا .. لأن الحياة امتحان وابتلاء ولأن النفس خلقت ذات رغبات فهي ليست معصومة وهذه سنة الخلق وليست عيبا وليس الخطأ عيبا وإنما الخطأ الحقيقي هو التمادي في الخطأ دون وازع .
إذا فالفرق بيننا هو ذاك الإحساس الذي يدعى الشعور بالذنب .. هو مختصر وجودنا في الحياة كممتحنين.
هل نتعلم من تجارب الحياة؟
تجاربنا هي مايزيدنا فهما لماحولنا ومن لا تعلمه تجاربه وأخطاؤه فكيف سيكمل مشواره في الحياة إذا ؟
نحن نتعلم .. نتعلم فعلا كل يوم ومن كل صغيرة وكبيرة في هذه الحياة وأحيانا من الصغيرة أكثر، فالنملة تعلمك درسا وأنت أكبر حجما منها بأضعاف مضاعفة، فلنتعلم إذا لا من أخطائنا وتجاربنا فحسب، بل لنتعلم أن لا نتكبر ونتأمل في كل مخلوق رافقنا في الحياة .. أن تتأمل ثم تفكر فتتلعم هو أمر في غاية الرقي .. فلنتلعم إذا أن نمتلئ تواضعا، فالتكبر يعيقنا عن التعلم والاكتساب والاستفادة ويعيقنا عن الحب والشعور بإنسانيتنا.
ربما تكون التجارب السيئة في بعض الأحيان سبب إلهامنا ومدنا بنوع من الإبداع الفكري، فتتحول من لعنة في حياتنا إلى سبب للتطور والنجاح وذلك يعتمد على مدى التفكير الإيجابي لكل شخص، فمنا من تحبطه تجاربه وتجره إلى أن يكون شخصا محطما تماما ومنا من تصنع منه شخصا أقوى وكأنه كل ما كسر أصبح أكثر صلابة من قبل .. تجاربنا تعلمنا .. هي بمثابة المنبه لنا، فالوقوع في خطأ مرة يحتم عليك أن تنتبه إلى ألا تقع فيه مرة أخرى وهذا مايسمى التجربة وليست التجربة سلبية فقط ولكني تعمدت أن أطرح مسألة التجارب السلبية بصفة خاصة لأن تأثيرها خطير على نظرة الإنسان للحياة و لنفسه.
هل نحن أقوياء بما يكفي ؟
ماهي القوة ؟ هذا يعتمد على نظرة كل منا لمعنى القوة، فالكثير من الفرضيات والتساؤلات تفرض نفسها هنا، لكن يمكننا القول أن القوة تولد في مواضع كثيرة وتتعدد وتختلف حسب الأشخاص وطبعهم، فالقوة الجسدية مثلا صنف منها وهي المعروفة والمشهودة ماديا لدينا بالعين المجردة وتؤثر هذه القوة الجسدية في أحيان كثيرة على القوة النفسية، فالقوة الجسدية تمد الشخص بالثقة في نفسه وبالتالي التوازن النفسي، لكن هذه النظرية لاتنجح دائما، فأحيانا يكون عكس ذلك.
الكثير منا يعاني عقدة نقص إما لأنه لا يمكن أن يقنع بالكلمات أو القلم أو لأنه غير قادر على التعبير بعاطفة وهو مايؤدي إلى انعدام الثقة في الذات، فيأتي التعويض في تلك الكتلة العضلية أو البنية الجسدية التي تعطي في الظاهر مشهدا لشخص متكامل، لكنها في الواقع غير ذلك.
أما العاطفة التي يعتقد معظم الأشخاص خاصة الجنس الخشن أو الرجل أنها ضعف، هؤلاء من يرون دموع المرأة وحزنها وتأثرها بما حولها ضعفا و وهنا منها، لكن الحقيقة أن هذه العاطفة هي قوتها .. نعم العاطفة لها سلطتها وأحكامها، فبقدر ماتبكي المرأة وتتأثر، بقدر ماتتحمل وبقدر ما تنجح في إيصال ذلك الإحساس بشدة تفاعلها مع موقف ما، فالإحساس قوة، خاصة إذا كان إحساسا معمقا بمأساة من حولنا فهو شعور نبيل والإحساس دليل على إنسانيتنا كبشر ومؤشر على بذرة الخير التي فينا والخير أعظم قوة على وجه الأرض .
إن قوة البشر في أفكارهم .. نعم فهناك من يحول مأساته وحزنه إلى مقطوعة موسيقية أو لوحة فنية أو قصيدة أو رقصة ويفضل أن يترجم وجعه بهذه الطريقة، حتى يتخلص من مشاعره السلبية وهذا نوع آخر من القوة .. القوة الممتزجة بروح الفنان الراقي الحساس .. ولا أقصد هنا فئة معينة من الناس، فكل شخص منا لديه تلك القوة التي تولد من الألم وهي قوة الإبداع و الفن.
على قدر اختلافنا تختلف أساليبنا وتجاربنا في البقاء لا على قيد الحياة فقط، بل على قيد القوة وليس ماذكرت فقط بل هناك الكثير على هذه الأرض من قصص تستحق أن نطلق على أصحابها لقب الأقوياء .
خاتمة:
خلقنا لمهمة نبيلة فليست الحياة ربما هي الأهم، بل محاولاتنا وأملنا وجهودنا في إثبات الخير داخلنا هي الأهم حقا. نحن ولدنا لهدف فعلا، لكن الفشل سيطاردنا مادمنا أحياء وهذا الفشل لا يستثني أحدا منا ولا أعني أن علينا أن نستسلم للفشل والإحباط، بل أعني أن مهمتنا الحقيقية أن نحاول ونكرر المحاولة، لأننا خلقنا لنقاوم وهذا هو الشرف الذي سنناله .. الحياة فانية وجميعنا مصيره الموت .. لماذا نعمل .. نبني .. نكافح .. ننجح ونحن سنموت و سيذهب كل هذا هباء؟ .. الجواب هو أن وجودنا معتمد في الحقيقة على ماخضناه في رحلتنا .. الجواب هو شرف المقاومة والتغلب على المصاعب ومغالبة الرذيلة والشر .. هذا هو الهدف الأسمى .. إذا فلنحاول.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
حُلقنا لنُثبت أنا قادرين بما يكفي لحمل تلك الأمانة، التي عُرضت على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها"و أشفقن منها" وحملها الإنسان!