الحرية التي يسعى لها العالم الآن هي عبارة عن تقييد للحريّات أكثر من أي وقت مضى.
في عالمنا هذا أصبحت الحرية مقيدة أكثر من أي وقت مضى، و أصبح تأثير الغرب السلبي أكبر مما كنا نخشى. ففي “عصر الحرية” الذي نعيشه، أصبح من المحرمات التكلم في الدين (على الأقل بطريقة ايجابية) فقد أصبح الدين فكر رجعي و من يتحدث به بات متخلفاً. أصبح من الحرية “المتحضرة” أيضاً عدم فرض حصة الدين في المدارس لكن فُرِضَ درس التعريف بالشواذ لأطفال الإبتدائية. أين الحرية هنا؟ أهي حرية مزاجية حسب من يقرّ هذه القوانين؟ أنا أتكلم هنا عن الغرب الذي أصبح تأثيره يتغلغل الى حياتنا بسرعة تدهش. و لن أستغرب أبداً وجوده في عالمنا العربي قريباً جداً و بالأخص في المدارس الدولية.
أنا لا أقول انه يجب أن لا نتأثر بالغرب، بل على العكس هنالك الكثير ما يجب تعلمه منهم، لكن الله منّ علينا بالعقل لنأخذ الذي يثمر و ينير حياتنا و نرفض ما يدمرها. و إن كان الغرب حياتهم كاملة لما كانت لديهم اعلى نسب الإنتحار و الطلاق و الإكتئاب و الوحدة. كل تلك البهرجة الإعلامية كاذبة. و تأكدت من هذا عندما عشت بينهم. هم ليسوا افضل منا، لكن من المنطق الإيجابي أن نأخذ و نتعلم منهم كل ما هم أفضل منّا فيه. كمناهجهم الجامعية، إهتمامهم بكل المتفوقين و العلماء (مما جعلهم ينهضون بالصناعة و العلم)، وجود المرأة في المناصب السياسية و الإقتصادية، التعليم المجاني في المدارس، التأمين الصحي، الحرية السياسية و غيرها الكثير.
كثيراً ما أصبحت أجالس أناس و أظل صامتة أنصت لما يقولون، أحاول الفهم أكثر من التعجب. و لكن ما أمكنني إلّا التعجب. أسمعهم يتكلمون عن الحريات مثل روعة الغرب بأن لديهم الحرية بأن يخرجوا عراة لأنه جسدهم و هم أحرار فيه، أو إعجابهم بالحرية المطلقة التي سمحت للشواذ بالزواج و التبني فهم لا يؤذون أحداً ( لكن بنفس الوقت ينفرون باشمئزاز عند زواج الأقارب و يتهمونهم بالتخلف )، و حرية الرجل و المرأة بوجود علاقات غير شرعية قبل الزواج و الانجاب و كل هذه الحريات التي باتوا يفخرون بها، بغض النظر عن رأيي الخاص في هذه المواضيع و ان كنت معها او ضدها لكن في جميع الأحوال إذا حاولت ان تبدي رأيك و كان مخالفاً اتهموك بالتخلف و الرجعية، فأي حرية هذه إذاً؟ انها حرية فرضية.
و إذا سألتهم لم كل هذا الفخر؟ يجيبون دائماً بنفس الإجابة، لأنها “الحرية” المفروضة على كل انسان ما دام انه لا يؤذي أحداً و علينا تقبّل الناس أجمع. و هو جواب رائع حقاً… لو كان حقيقياً… فبعد دقائق ينتقل حديثهم لموضوع آخر، ينتقل حديثهم عن النساء اللاتي يرتدين الخمار و الرجال الذين يلبسون الدشاديش و يطلقون اللحى. ويبدأ التهكم و النكات و الاستخفاف بهم و بعقولهم. و كأن كل ما قالوه منذ قليل عن الحرية الشخصية كان مختصر على ما يحددونه هم.
أنا لا أنكر أننا بحاجة في أوطاننا لمزيد من الحرية بالتأكيد فنحن بأمس الحاجة إليها، لكن يجب أن تكون بعقل واعي و بدراية حقيقية و ليس فقط إعادة عمياء لكل ما نسمعه، و حين نقدّر ما لدينا و نعرف ما ينقصنا لنعلو - حينها و فقط حينها سيقلّ التشدد الهمجي في بلادنا و تزدهر الثقافة و الحرية الحقيقية. نحن لا نريد التشدد لأنه دائماً مبني على جهل و لا نريد الحرية الكاذبة التي نعيدها كالببّغاوات بلا وعيٍ حقيقي. نريد أن نكون أفضل، و أن نحقق الأفضل و كفى أن نقول بأننا العرب لا نصلح لشيء فهذا حتماً مصيرنا ان اقتنعنا به. و إذا قَدَّرنا التوّسط الحقيقي، حينها سنصبح نحن المنهج الذي يتمنّى العالم الأخذ به.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
رائع يادارين 👍🏽