( لماذا تمتلئ وسائل التواصل الإجتماعي برسائل الكراهية و السخرية؟ و لماذا تُلقى الشتائم في المقاهي إذا اختلفت وجهات النظر؟ ما الذي يحاول الإنسان إثباته؟)



أنا لستُ أنت.


لم أعِش حياتَك، ولم أكابِد ما كابدتَه. لم يقل لي والداي ما قاله والداك لك، لم أدرس ما درستَه و لم أتعلّم ما تعلَّمتَه..هل تصدق أيضا أنّي لم أرث ما ورِثتَه من جينات؟ و لم يخطر على بالي ما خطر على بالك من أفكار أبدا؟


و بالرّغم من أنّ هذه الحقيقة بديهية جدا و أزلية، إلّا أنّك تنساها دوما..و أنساها مثلك.


ننساها، عندما أتعجب أنا من بكائك و تتعجب أنت من لامبالاتي، أو عندما أحزنُ و تضحَكُ أنت، ننساها إذ نتجادل و نغضب إن لم يقتنع أحد منّا بما يقوله الآخر، أو عندما نتحدث عن أكثر أغنية يستمتع بها كل منّا، أو عندما يحتد النقاش بيننا عن مذاهب اعتنقناها أو تجارب عشناها.


ننساها، و نحن بصدد التعجّب من بكاء رجل عند موقف لم نبكِ عنده، أو حزن امرأة على ابن تخطينا موته..و ننساها حين لا نصدق بأنّ من نُحاوره غير قادر على الاقتناع بما نقوله، أو حين يحبنا الآخرون بطريقة مختلفة عن حبنا لهم..


و نتجادل.


و يحتد النقاش.


و قد نلعن، و قد نُؤذي.


و قد نسخر، و قد نوجع.


و الحال أنَّ المُنطلق لكل خياراتنا و مشاعرنا و أفكارنا، مُنطلَق فريد من نوعه، يجمع كل ما ورثناه من آبائنا من أفكار و قناعات ، و كل ما مررنا به من تجارب و أفراح و أتراح، و لكن الغريب أنّنا لا نستوعب أنّ هذا المُنطلَق يُفَسّر اختلافنا الشاسع و تفرّدنا إذا فكّرنا، أو اخترنا، أو تفاعلنا مع العالم،


و بالرغم من أنّ التسامح و قبول الآخر شعارات نتغنى بها في كل محفل، إلّا أنّنا، و دون أن ننتبه لذلك، نرفض اختلاف الآخر و ننبذه و نزدري خياراته و نغضب منه إذا فكّر بطريقة مختلفة عنّا، و نصرخ في وجهه إذا لم يفهمنا، فهل فهِمناه؟


إنّنا نعتقد أنّ ما نفكّر به و ما نختاره هو الصواب بعينه و يُفترض بالآخرين أن يتوصّلوا لما توصلنا إليه إلزاما، و نؤمن عميقا بأن احتمال خطأ ما نفكّر به يعني فشلنا كإنسان، و بأن احتمال تفاهة مشاعرنا يعني ضعفنا و هامشيّتنا، و مردّ هذا، تسليمنا بأنّنا نتماهى مع أفكارنا و أفعالنا و نستمدّ أهمّيتنا من شرعية مشاعرنا و خياراتنا، لهذا نحاول جاهدين أن نُثبت أن غيرنا على خطأ فذلك من شأنه أن يمنحنا إحساسا مزيفا بالأفضلية،

إلّا أن الحقيقة هي أنّ أفكارنا تتغير و مشاعرنا لا يُمكن وصفها بالخطأ و الصواب، لذلك فإنّ التماهي مع الأفكار و المشاعر يستنقص من شأن الإنسان و لا يسبب إلا المزيد من الرفض للآخر.


أنتَ لستَ أفكاركَ و لا أحاسيسك. تحرّر من سطوتها إذن و حرّر غيرك منها !


إنّ المفرّ الوحيد من كل الضيق و الاحتقان و الرفض المترتّب عن انزعاجنا و رفضنا لاختلاف الآخر عنّا، هو أن نطّلِعَ عليه، ككتاب مفتوح لا يهمّنا عنوانه، وأن نتفهّم ما وصل إليه..و أن نتعاطف معه بقلب شُرِّعت أبوابه.


و تفهّم ما يفعله و التعاطف معهُ، لا يعني أنّنا نشبهه، و لا يعني أنّنا نتبنّى ما يقوله و ما يفعله، و لكن يعني أنّ من حقّه أن يشعر بما يشعرُ به، و أن يفكّر بما يفكّرُ فيه، و أن يفعل ما قرّر فعله - ما لم يؤذِ ما حولهُ - دون أن نطلق عليه أحكامنا أو نصادر حقَّهُ في الاختيار أو نتلاعب به ليفعل ما نريد منه فعله.


و هذا عسير بلا شكّ..و لكنّه مُريح :أن لا نغضب و أن أن لا ننزعج من أفكار الآخرين و خياراتهم و أذواقهم و مشاعرهم.


و أنّ نتسامح تماما مع حقيقة أنّ كُلًّا منَّا يرى العالم من وجهة مختلفة و أنّ هذا الاختلاف لا يستنقص من أحد شيئا و لا يُؤذيه، و أن نمارس هذا التسامح عند كل موقف مهما بدا بسيطا، حتى نتحرّر تماما من سلطة كبريائنا الجامحِ، و اعتقادِنا النّافذِ بأنّنا وحدَنا على صواب.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

جميل يا هالة أحسنت

إقرأ المزيد من تدوينات شيماء صميدة - مُهْجَة

تدوينات ذات صلة