أكتبُ وكلّي أملٌ بإيقاظ ِضمائرنا وإعادة تكافلنا الاجتماعي بعد ما آل إليه حالُنا من غلاءٍ ووباء.

كم ينفطر القلب ويتلوَّعُ ألمًا، حين أرى حال ما وصلنا إليه في أيامنا هذه! كم أتجرع المُرّ قهرًا حين أرى أبًا يجوب الأرض عبثا ليؤمّن قوت يوم بيته! أو أرى أُمًّا تقطع اللُّقمة عن فمها لتسدّ بها جوع أطفالها! كم أتمنى أن تنتهي الحياة بأكملها، ليتوقف الإجحاف الذي اجتاح الإنسانية وسطى عليها، ليحاسب كلّ منّا بما فعل وقدّم، ويسقى كلّ ساقٍ بما سقى! كم أتمنى لو رُزِقْتُ بكنوزِ الدّنيا وأموالها، ومنّ الله علي بقلب نظيفٍ يخشاهُ إلى جانب كلّ تلك الأموال، حتّى أجبُر كسرَ كُل محتاج أصادفُ في طريقي! قطعًا ما أتمناه وأريد فعله، ليس على الله ببعيد، ولا يُنقِصُ مِن مُلكِه شيء، ولكنّه إختبار إنسانيتنا في ظل الظروف التي نعيش، كثير هم مَن يناقشون غلاء الأسعار أسبابها،عواقبها والمسؤول عنها، لستُ أكتب لأجل ذلك ولا أظنّ أنّ كلّ تلك التحليلات والمناقشات المطوّلة ستُسمن أو تغني من جوع، أُطلِقُ العنان لحروفي، لأخاطبَ الضمير داخل كلٍّ منّا ، إنْ كانت ضمائرنا لا تزال على قيد الحياة، أوجّهُ كلماتي على وجه الخصوص لمن تطيبُ نفسه أنْ يجلس على مائدة سحوره أو فطوره، وهو يعرفُ حقّ المعرفة، أنّ جارًا له بجواره لا يقوى أنْ يمُدّ لأهل بيته ولو حتى شيئا بسيطا ممّا يتلذّذ به على مائدته، أوقظُ اليوم ضمائرَ مَن استحقّت الزكاة على أموالهم فلَم يؤدّوها، أُنادي في مَن لا تعرفُ الصّدقة لجيبه طريق، أناشدُ مَن تربّعت على لسانِه عِبارة "أنا ومِن بعدي الطّوفان"، أستعطفُ كلّ واحد منّا على اختلاف وضعه الماديّ، لمجرّد فقط أنّه يستطيع أنْ يأكل ويطعم أهل بيته ولو بالمستور القليل، أتحدّثُ إليكَ، يا من تمكّن الخوف مِن قلبك أنْ تفقر غدًا، فآثرتَ أنْ تكون القسوة والأنانية حبيسة نفسِك وجليسة قلبِك، كم هو مؤلم ومُوجِع عندما نصل إلى زمانٍ، فيه أُناسٌ لا يملكون ما يقوّي أجسادهم على السحور، أو يسدّ رمق صيامهم على الفطور، كم وصلنا إلى أيّامٍ بشعةٍ، إلى الحدّ الذي نرى فيه بعضنا يضعُ على مائدته أصنافًا شتّى مِن الطعام، بل وبعضنا أيضا من يرمي في القُمامة ما يزيد عن حاجته، وآخرون مِن حولنا يفصِلُنا عنهُم بضعة أحياء أو حيّ ولربما شارع واحد فقط ، يكونُ إحدى تلك الأصناف هو الحُلم الأسمى لهم في يومهم الذي يعيشون، أستشهدُ بقصة حقيقية سمعتها في محافظة الزرقاء صباح اليوم ، حدثت بالضّبط وقت فطور البارحة، الأوّل مِنْ رمضان، حيث كانت أمٌّ فطَر الحزنُ قلبها تبكي، إذْ لا يوجد في بيتها ما تُقدّمه لأطفالها على الإفطار، وما إنْ جاءت إحدى نساء الحيّ مشكورة، وقد وضعت لها مِن طبختها طبق (محشي ملفوف)، فكان طبق الملفوف ذلك هو الوحيد على مائدة الإفطار للعائلة الفقيرة الصائمة بأكملها، لم تُفطر الأم سوى حبّة مَلفوف واحدة، مُوهِمة أطفالها أنّها تُشارِكُهم الطعام، وتركتْ لهُم الطّبق علّه يسُدّ جوعَهم بعد مشقّة الصيام، ولا أدري حتّى إنْ وجدتْ ما تتسحّر به هي وأبناءها أم لا! ليست الحالة الأولى وليست الوحيدة أيضا، ولكنْ، أُعيد وأكرّر إنّه اختبار إنسانيتنا في ظلّ الغلاء والوباء والظروف القاسية تلك، إنْ لم نستطع التغيير الجذري لما نعاني ونعيش من فقر مطقع في هذه الأيام، فلنُشفق على بعضنا البعض أقلّ ما في الأمر، إنْ لم نجد من يشعر بنا، فالنشعر نحن ببعضنا البعض، إنْ حظيتَ بكسرةِ خُبزٍ على السّحور فمِن المُمكن جدّا أنْ يكون لك جارًا فقيرًا، لا يملك تلك الخبزة، فاقسمها بينك وبينه، وإنْ امتلكت خبزةً وقطعةً مِن الجُبن، فمَن يدري أنْ يكون مَن هو بالقُرب مِنكَ، لا يملكُ سوى خبزة فقط ،فضع له من قطعة الجبن تلك التي تملك، عن الرحمة والإنسانية أتحدث، عن الشفقة أتحدث، عن التكافل أتحدث، عن حفظ النعمة والشعور بالآخرين أتحدث، ولنتذكّر دائما "لن يغير الله ما بنا حتى نغير ما بأنفسنا".



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مُثنّى ماهِر عتّال

تدوينات ذات صلة