لماذا ينتهي الأمر بخطة كل عام إلى القمامة بالرغم من رغبتك الشديدة في تنفيذها؟ أين يكمن الخلل و كيف تستطيع كتابة خطّة أكثر فاعلية؟؟


إذا كانت خطة هذا العام التي تقوم بكتابتها و تزويقها الآن تشبه التي وضعتها السنة الفارطة و السنة التي تسبقها فلا تضعها حتى تفهم ما الخلل.


و إذا كنت تعتقد أن الخلل هو إرادتك التي تعجز عن ترويضها لتنفيذ خطتك فأنا أكتب هذا النص لأخبرك أن هذا غير صحيح، لا يكمن الخلل في استسلامك المُبكر أو عجزك عن الالتزام بما خططت له، فبالرغم من أن قوة الإرادة و الالتزام صفتان أساسيتان يمتلكها كل هؤلاء الذين نجحوا في تحقيق أهدافهم، إلا أنهما لا يشكلان سر ذلك النجاح.


لهذا، قبل أن نضع خطة جديدة لن ينتهي بها الأمر إلى القمامة، ينبغي أن نفهم أولا: لماذا تفشل خططنا؟


في كل مرة تقرر فيها تخفيض وزنك، تمتنع عن الأكل فورا متى قررت ذلك، و لكنك بعد يوم أو اثنين تجد نفسك أمام طبق من الحلويات المتنوعة فتنسى هدفك – أو تتجاهله – و تستمتع بما لذ و طاب و تتخلى بعدها عن هدفك و خطتك. كم يتكرر هذا السيناريو من مرة في السنة؟ مع قرارك بالاستيقاظ مبكرا، مع قرارك بممارسة الرياضة، مع قرارك باكتساب عادة القراءة، مع مهارتك التي قررت تطويرها ثم أصبحت في طي النسيان..و تطول القائمة، كما لو كان الإنسان الذي يستيقظ لِيُسكِتَ المنبّه أو يتجاهل الكتب المرصوفة على المكتب ليس الإنسان ذاته الذي وضع الأهداف و رسم الخطط، فالإنسان الذي تتوقع منه أن يستيقظ صباحا في الوقت الذي حددته له بحماس يشعر بالدفء في سريره الوثير و لا يمانع الضغط على زر المنبه عدة مرات كي ينعم بالمزيد من النوم، و الإنسان الذي تتوقع منه أن يقرأ صفحتين من أحد الكتب الموجودة في الخزانة يشعر بالنعاس الشديد و لا يرغب بالبحث عن كتاب نسي عنوانه، لا يمكننا أن نصدق أن الإنسان نفسه قام بوضع تلك الخطة الأنيقة قبل مدة، إذن ما الذي تغير؟


أولوياتك تغيرت. و ظروفك تغيرت. حتى رغباتك تغيرت. فمن يتحمل مسؤولية ذلك؟


هل هذا خطأ المنفّذ الذي فقد حماسه أم المُخَطِّطِ الذي أهمل أدوات التنفيذ؟


لا عجب أننا نفشل في توقع أولوياتنا و رغباتنا المستقبلية فنحن نعتمد بشكل مثير للغرابة على قوة إرادتنا و حماسنا المتقد لتنفيذ خططنا كما لو أنّ الحماس و الإرادة ثابتان على الدوام ، و لأنّنا نعتقد – بناء على ثقافتنا - أن صعوبة تنفيذ خططنا هو الأمر الطبيعي، فإنّنا نصوغ الخطط الصعبة و نضيف إليها البنود الجديدة التي تعلمناها من هنا و من هناك و نشعر بوجوب تنفيذها لنصل إلى ما وصل إليه الآخرون من مجد و نجاح.


و هنا نقع في الفخ.


فنضع خططا هلامية برّاقة و خيالية، و أهدافا جبّارة نحن لا نرغب فعلا بتحقيقها و لكننا نشعر أنّه ينبغي علينا تحقيقها، فنسير عكس التيّار، و بالرغم من أن هذا التيّار قد يقودنا إلى النجاح، إلا أنه نجاح لا يشبهنا و لا نشبه، و إذّاك فشعور المقاومة الشديدُ الذي يلازمنا مع بعض خططنا هو إشارة إلى أن أهدافنا لا تتوافق مع مبادئنا و رغباتنا الدفينة.


لهذا فأول ما يجب أن تفعله بعد كتابة قائمة أهدافك، هو أن تتساءل بصدق: هل ترغب حقا في تحقيق كل هذه الأهداف؟


و هل أن الأهداف التي تود حقا تحقيقها، واقعية و ممكنة فعلا؟ لأنّ فقدان 20 كيلوغراما من وزنك هدف قد تودّ تحقيقه فعلا – إذا افترضنا أنّ هذا لا يرتبط فقط بمحاولة الانسجام مع معايير الموضة - و لكنّه غير ممكن و غير صحي في غضون شهر، و قد يكون استيقاظك الرابعة صباحا أمر تودّ بشدة تنفيذه و لكنّه خيالي جدّا إذا كان دوامك ينتهي عند السابعة مساء و لا تستطيع الخلود إلى النوم قبل العاشرة ليلا.


و هذا يعني أيضا أنّه لا فائدة من وضع الكثير من الأهداف و المهامّ، فتحقيقها كلّها في مدّة قصيرة غير واقعي البتّة، لهذا من الأفضل إخضاع مهامك لقاعدة باريتو أو 80/20، و تحديد العشرين بالمائة من المهامّ التي ستمنحك أكبر قدر من التأثير، فتشتيت جهودك لن يمنحك أي نتائج.


"في أغلب الأحيان، 80% من النتائج مترتبة عن 20% من النتائج" فلفريدو باريتو



و مع وجود عدد محدود من الأهداف، يصبح قياسها و تقسيمها إلى أهداف أكثر دقة و تحديدا بالوقت، أمرا يسيرا.


و تبقى العقبة الأخيرة بعد كل ذلك: كيف تضمن تنفيذ كل مهمّة عندما يحين وقتها المناسب، مهما تغيرت رغباتك و أولوياتك على المدى القصير؟


يكمن السر في فهم تعاملنا مع عاداتنا الراسخة في نظامنا الحياتي، إذ أن كل عادة أدمنّاها هي استجابة لرغبة و احتياجُ لإحساس محدد يمثّل المكافأة. لهذا إذا أردت التخلص من بعض العادات أو اكتساب عادات جديدة فما عليك إلا تحديد العادات التي تنوي التخلص منها و تحديد مكافآتك التي تنالها منها عادة ثم حاول أن تجد طرقا أخرى للاستجابة لنفس الرغبات أو الاحتياجات حتى تستبدل عاداتك القديمة بها، بعد ذلك اشرع بإزاحة كل ما يولّد فيك الرغبة الأولى لممارسة تلك العادات، كرؤية الحلويات التي تدفعك لتناولها بنهم، أو سماع إشعارات الهاتف التي تغريك لتفقده، و من ثمّة اجعل المهمة الجديدة مرتبطة بعادة إيجابية قديمة لم تعد تجد صعوبة في ممارستها، فإذا كان تناولك للمثلجات يمنحك شعورا بالراحة متى كنت منزعجا، فضع بدلا من وعاء المثلجات الذي تهرع إليه عند شعورك بالانزعاج، وعاءَ غلال أو مخفوق حليب، و إذا كان الهاتف الذي يلازمك قبل النوم يمنحك شعورا بالأنس، فضعه بعيدا عن متناولك و ضع قرب سريرك مجلة أو كتابا يهمك موضوعه حقا، فيسهل عليك حينها استبدال الهاتف بالكتب.


و هكذا، فالحل لا يكمن في الاعتماد على إرادة الإنسان، بل في تهيئة محيط يشجعك على تطبيق خططك و لا يُجهِد عقلك بالاختيار بين مهمّتين.


و بالرغم من كل هذا، فدع لنفسك دوما مساحة لتغيير خططك متى أجبرتك الظروف أو رغبت بذلك، فالخطط لم توضع لتطبّقَ بحذافيرها بل لتوجيهنا و تسهيل عملية الاختيار بين مجموعة من القرارات التي لا مفرّ منها، لهذا لا تحاول جاهدا أن تقوم بكتابة خطة مثالية، بل تثبّت من أهدافك و جهّز مُحيطك ثم ابدأ التنفيذ فورا ، و تذكر أن "خطة جيدة تقوم بتنفيذها بصعوبة الآن هي أفضل من خطة مثالية تقوم بتنفيذها الأسبوع القادم." (جون باتون)


و الآن، فقد حان الوقت لتعديل الخطط و الانطلاق من جديد!



المراجع:

"?Planning or doing" : كيرستين روهد (أستاذة علم الاقتصاد السلوكي في جامعة إيراسموس روتردام)

"The power of habit" : شارلز دوهيج


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات شيماء صميدة - مُهْجَة

تدوينات ذات صلة