"التعاطف هو اتصال؛ إنه سلم للخروج من حفرة العار" برين براون
في كل حملات التعاطف مع الفقراء، ذوي الاحتياجات الخاصة، كبار السن، العمال في بعض القطاعات "التي لا تعتبر رفيعة في نظر المجتمع" .... أشعر دائما بحلقة مفقودة، نفاق؟ تمثيل؟ ربما رائحة غرور؟ لا أدري، لكنها لم تكن يومًا مرضية بالنسبة لي، رافقني التساؤل طويلًا، فأنا أعرف بأنني لست متعصبة أو عنصرية تجاههم بل العكس تمامًا، إذًا لماذا لطالما آذنتي تلك الحملات، ولم أستطع يومًا إكمال مشاهدة برنامج خيري يبكي فيه الفقير شكرًا وامتنانًا!
مررت قبل عدة أيام بدراسة عن مفهوم ال"Empathy"، والفرق بينها وبين ال "Sympathy"، في الأولى فهم للشخص المقابل ومشاركته تلك المشاعر، أما الثانية فتعني شيئًا من الشفقة والحزن مع عزل نفسك عن فهم أو الشعور بما يمر به الطرف الآخر. الأمر كما شبهته "Brene Brown": أن يكون أحدهم وحيدًا في حفرة مظلمة، يشعر بالخوف والظلام والوحدة، ال"Empathy" هي أن تنزل في الحفرة المظلمة لتصل إليه، وتجلس معه في عزلته، ثم تخبره بأنك تعرف وتفهم ما يمر به، وهو ليس وحيدًا في ذلك، ثم تعانقه لتشاركه أحزانه، ال "Sympathy" هي أن تمد له رأسك من أعلى الحفرة، لتناديه من فوقه بوقف متعال: اوووه، الأمر سيء أليس كذلك، ممممم! اوووه! هل تريد عصيرًا؟ مممم اووه حزين حزين!
في كل مرة أدرك حاجتنا لمن يفهمنا، ويشاركنا همومنا لا لمن يشفق علينا، لمن يكون صديقًا لنا في نكباتنا لا لمن يجد أن من حسن خلقه وإحسانه أن يتواضع ليسلم علينا!
في كل مرة تشعر بال "Empathy" (وأعتقد بأن أقرب ترجمة عربية لها هي "التعاطف" ولكن ليس بمعناه الدارج اليوم، فتعاطفنا اليوم أقرب إلى ال "Sympathy" أي الشفقة) مع فقير فأنت لا تصوره، بل تضع نفسك مكانه تعرف حجم كسرة القلب التي يكتمها ليقبل عطاءك، تشعر بحاجته وبخجله وبحزنه ونقمته المختبئة خلف ابتسامته وشكره، في كل مرة تجد عاملًا في قطاع نبذه المجتمع أو عجوزًا لا زال يعمل في قطاع متواضع، تتكلم معه وكأنه ند مساوٍ (لأنه في الحقيقة كذلك) بدل المبالغة في الشكر أو تصويره أو كتابة شعر في عينيه المرهقة، لأنك تعلم أنه يستطيع الشعور بشفقتك أكثر من أي شيء آخر في تلك اللحظة، وأنت عادة لا تعطي مديحًا كهذا لطبيب ربما أيضًا أفنى حياته في مشقة، ولا تعطيها بنفس النبرة لمديرك في العمل، فنبرتك تجاه الطبيب فيها شيء من الفخر والمجاملة، ونبرتك لمديرك فيها شيء من الخضوع ومحاولة الاسترضاء، أما نبرتك لذلك العجوز ففيها شيء من العلو والغرور، فليس كل المديح مديحًا، لا تجرؤ على إخباري بأن هذا غير صحيح!
حين تضع نفسك في مكان شخص من ذوي احتياجات خاصة تحاول دمجه في المجتمع، تحاول إعطاءه فرص تعليم عادلة، وتزويد الأماكن العامة بمرافق آمنة له، وتطالب بتوفير رعاية وعلاج مجاني له "تطالب باستماتة وكأنك أنت من بأمس الحاجة لها"، ثم تدعو للاهتمام بصحتهم النفسية وصحة ذويهم، وتحاول دعم ذويهم وإشعارهم بأنه مرحب بهم وبأبنائهم، وتنبذ التنمر وتحاربه في المدارس والأماكن العامة (كأن أبناءك هم ضحاياه)، أما ال"Sympathy" فهي شيء أقرب لـ "الله! شاب يتخبط ليصل لمحاضرته الجامعية!" و"كيف لكروموسوم واحد أن يصنع كل هذا الجمال" و "فتاة صماء وجدت من يقبل الزواج بها!".
نصل لل "Empathy" حين لا نرفض تزويج ابننا لفتاة والدها يعمل في ......، أو نرفض تزويج بنتنا لذلك الفقير (الذي نشفق عليه ولكن ليس وكأننا نتعاطف معه !)، حين نصل لتزوج فلان أو فلانة وليس الطبيب والمهندسة.
ولكن! ولكن! ولكن!!
نحن نريد أن تنزوج من أشخاص ينتمون لطبقتنا الإجتماعية، نسعى للأفضل، الفقر صعب، كيف سيربون الأولاد؟؟؟ الخ الخ الخ ...
قد لا أتفق وقد أملك ردًا لكل هذا ولكن ما أريد قوله الآن هو: على الأقل كن صادقًا مع نفسك، لا تتصنع حسن الخلق، ولا تزد عليهم في حزنهم وخجلهم وكبريائهم الذي تقتله الحاجة!
توقف عن كونك متواضعًا! تقول أحلام مستغانمي: "في الواقع، التواضع كلمة لا تناسبني تماماً. أن تتواضع يعني أن تعتقد أنك مهم لسبب أو لآخر، ثم تقوم بجهد التنازل والتساوي لبعض الوقت بالآخرين، دون أن تنسى تماما أنك أهم منهم. هذا الشعور لم أعرفه يوماً. لقد كنت دائما امرأة لفرط بساطتها، يعتقد كل البسطاء، وكل الفاشلين حولها أنها منهم."
"في الواقع، التواضع كلمة لا تناسبني تماماً. أن تتواضع يعني أن تعتقد أنك مهم لسبب أو لآخر، ثم تقوم بجهد التنازل والتساوي لبعض الوقت بالآخرين، دون أن تنسى تماما أنك أهم منهم. هذا الشعور لم أعرفه يوماً. لقد كنت دائما امرأة لفرط بساطتها، يعتقد كل البسطاء، وكل الفاشلين حولها أنها منهم."
قد تكون أول خطوة لإيقاف قبح العالم هي أن ندرك كم نحن حقًا قبيحون!!
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات