لرُبما يدور في ذهنك الآن عن أيّ معاناة أتحدث، أو بماذا مررت حتى فاضت فيَّ الكلمات و تراكمت بداخلي الأشباح،

النَّقِيصة


لرُبما يدور في ذهنك الآن عن أيّ معاناة أتحدث، أو بماذا مررت حتى فاضت فيَّ الكلمات و تراكمت بداخلي الأشباح، أنا ومنذ انقطاعي عن جسد أُمي الآمن واسمع الناس يترددون على والدي يقولون: 'عوضك الله' وبعضهم 'جبرها الله بالذكر'، حتى زُرعت في عقلي فكرة إني مُجرد حظٍ خائب، ولا فرحٌ ولا سرور بقدومي وإنما امتحان و حزنٌ لأبي، لا أعلم هل ينبغي أن يحزن الآباء عندما يرزقون بأنثى؟! هل نحن نقائص في هذه الأرض؟


ولم يكن الأمر مُقتصرًا على الحزن و الشؤم وإنما أنا أُضرب و امتلأ بالأورام وأنا بنت أشهرٍ معدودات، واذ سُئل المجرم عن سبب ضَربي يقول بكل جُرأة :" أنا لا أُنجب البنات".


ماكان الأمر مختلفا فأنا بنفسي من كُنت أُدفن حية في عصور قد ولّت ولربما لا يختلف دفني وقتلي عن ضربي و اذلالي فأنا بعد كُل خيبة أُكمل حياتي موؤودةُ المشاعر.


تتوالى الأحزان على قلوبنا وكأنها واجب علينا و تذكير دائم على أن بقاءنا في هذه الحياة إنما هو بفضلهم هم وليس كأننا نستحق الوجود، ثم تمضي الفصول و ازدادُ عمرًا و خيبة، حتى ابلغ سن السادسة فأخي يذهب الى الروضة و تبدأ تلك الطفولة التي يَحق للذكر أن يعيشها ولا يحق لي أن أفعل.

فأمي تخبرني مرارًا احذري من اللعب و اللهو فانت فتاة، احذري من أن يَظهر صوتك فأنت فتاة، لا يجب علي أن أتعلّم فانا فتاة، وانا مازلت إبنة ست سنوات يبدأ تعليمي كيف اخضع لمستقبلي وكيف أحني ظهري لهذا المجتمع.


" الفتاة التي تجلب العار لعائلتها تُقتل"

اتساءل وانا مازلت سارحةً في طفولتي:"ماهو العار؟"، هل هو شيءٌ متعلق بالإناث وحسب؟ لهذا يحق لاخي وابن عمي أن يحظو بكل ما طاب لهم؟ هل الأعمال القبيجة تجلب العار للأنثى ولا تمس الذكر بشيء؟ أنا هنا لا أبرر اي فعلٍ قبيح ولكن أتساءل هل الذنوب تُسجّل علينا وحسب؟


أُكمل فصول حياتي وأنا بلا تعليم أو طفولة ولا حتى أقلَ تقديرٍ لما أحمله من هِبات، لربما لا يحدث هذا لكل فتيات الأرض وإن بعضهم يعيش حياة هنية، لكن أنا هنا أروي كُل العُقد و أسرُد كل المآسي كما لو أنها أنا، وكما لو انني جميع الضحايا لكي يحق لك التّخيل الى اي مدى نحن عُدمنا جماعيًا.


ثُم تكبُر تلك الطفلة بين جِبال الذُل الشاسعة، وقبيل سن البلوغ وهي مليئة بالخوف، وهي مرتجفة من أن تكون عارًا، يُقال لها:" أول عريس يتقدملك نحنا بنجوزك" و تَسمع مرارا :" البنت لبيت جوزها" وكانها مجرد سلعة تنتظر الشراء لكي تبقى خادمة لمشتريها لبقية العُمر، ولمعاناة الشابات سَردٌ طويل يفوق ما قد مررت به بطفولتي القصيرة..

قصص أنس

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

و مع ذلك أنت (بكسر التاء) من تختارين الرضوخ لهم أم العيش بكل شغف، حرية... بعد جهاد أتفق معك، لكن دور الضحية يتقنه من يرى نفسه ضحية و يرضى بها قبل كل ذلك. لذلك فلتقم ولتقف كل أنثى على أقدامها و تختار طريق عيشها.لا المجتمع أوالمحيط من يفعل ذلك أنت وحدك .

إقرأ المزيد من تدوينات قصص أنس

تدوينات ذات صلة