لا يعرف المرء قيمة من يحبونه إلا بعد رحيلهم فيظل يتذكرهم ويحزن لفراقهم
لم استوعب الصدمة حينما تلقيت اتصالا من صديق لى فى وقت غير عادته يخبرنى فيه بان احد اقاربى والذى يسكن فى نفس شارعة قد توفى ؛ حيث سألته اكثر من مرة هل انت متاكد مما تقول؟ ؛ لقد كان بخير منذ وقت قريب فأكد لى ذلك.
تركت عملى وذهبت الى منزلة حيث وجدت الصوان منصوبا امام البيت و يقف الاقارب و الاهل يأخذون العزاء ولكنى لازلت اكذب نفسى. صعدت الى الطابق الثانى ودخلت لاجد زوجته وابناءه يرتدون الاسود وسط بكاء شديد وصوت القرآن يعلو فى المكان حينها ادركت وفاته. لم اكن اعلم ماذا افعل حينها وماذا اقول فهذا الشخص كانت تجمعنى به ذكريات جميله منذ الطفوله فقد كان بمثابه ابى الثانى حيث كلما شعرت بالضيق اذهب الى منزله والعب معه الدومينو واتحدث معه بمرح واعود الى بيتى كأننى لم اشعر بحزن قط. ما جعلنى فى حالة من الصدمة هو اننى كنت قد اختفيت لفترة ليست بالقصيرة ولم اعد ازورة و قبل وفاته بحوالى شهر قابلنى فى صلاة جمعة و كان يلومنى على عدم زيارتى له واننى كنت ازورة دائما فما سبب ذلك ، وكانت اجابتى ان عملى يجعلنى مشغولا طوال الوقت و انتهز أى فرصة لكى استريح من عناء العمل. وعندما ادركت اننى اطلت الغياب وان على زيارته اخذ منى هذا القرار اكثر من اسبوعين فكل مرة أأجل زيارته الى الاسبوع الذى يليه و عندما عزمت اخيرا على زيارته ؛ جاءنى الإتصال الذى يبلغنى فيه صديقى بان قريبى هذا انتظرنى كثيرا ولما مل.... تركنى وذهب.
الامر الذى جعل عقلى يتوقف عند هذه اللحظة فبعد مرور عدة سنوات على فراقة عندما اتذكرة يقفز الى مخيلتى بأننى اود زيارته لأننى افتقدة ولكن سرعان ما يقول لى عقلى .. فات الآوان.
وتمر الايام ويزورنا احد اقربائنا فى البيت بمناسبة عيد الفطر وكنت ايضا فى طفولتى ازورة حتى مرحلة الاعداديه حيث كان يشرح لى مادة الدراسات الاجتماعية وكانت تربطنى به علاقة طيبه ويبلغنى ايضا بأنه يريد ان ازورة كالسابق وابلغه بنفس الرد السابق وهو انشغالى بالعمل وكانت النتيجة ايضا؛ انه عند تفكيرى لأول مرة بزيارته يأتى اتصال الى والدى يخبرة فيه بخبر وفاته لتتسع حدقتاى فى تلك اللحظة التى ذكرتنى بقريبى السابق فى تكرار لنفس الموقف.
لم اكن اعلم بأننى سافتقدهم لهذا الحد وخاصة ان الاثنان كانا يجمعهما صفة مشتركه وهو انك تحب التحدث وقضاء الوقت الممتع معهما فى امور الحياة المختلفة وكأن وفاتهما رسالة لى يلومننى فيها على تقصيرى فى حقهم.
ولم اكد افيق من هذان الحدثان لأجد نفسى منضما الى دورة تدريبية واتعرف على محاضر طيب بشوش من نفس المنطقة التى اسكن فيها واتدرب على يدة طيلة شهر جمعنى به علاقه طيبه وكنت أعلم انه مصاب بخلل فى الجهاز المناعى لدية وبعد انتهاء الدورة عدت لإنشغالى بالعمل ويمر شهرين دون اتصال واحد منى وعندما قررت الإطمئنان عليه اسمع خبر وفاته لدرجة اننى اتصلت باكثر من شخص للتأكد من الاسم وكان صحيحا.
قمت برفع منشور ابلغ فيه زملائى بخبر وفاته لأجد صديقا لى يتصل مستغربا الخبر قائلا انه كان يجلس معه منذ ساعتين تقريبا وكان طبيعيا جدا وانهم كانوا يذكروننى فى حديثهم وطلب منى التأكد مرة اخرى من هذا الخبر حتى رفعت إدارته الخبر مؤكدة وفاتة وأبقى انا فى حيرة من امرى لا اعرف ماذا افعل.
من الواضح ان مثل هؤلاء الطيبين قد انهو رسالتهم فى الحياه ليتركو خلفهم سمعة طيبه وحنينا لمن كان يعرفهم.
يوجد حولنا اشخاص مثل هؤلاء يبعثون الطمأنينة فى نفوسنا ويجعلونا نتيقن بأن مازالت الدنيا بخير ولكن من الواضح ان رحيلهم هو انذار بقرب انتهاء الخير من هذه الحياه.
فإذا كان لديك اناس طيبين مثلى و لم تتواصل معهم منذ فتره فبادر فى اقرب وقت بزيارتهم او حتى مكالمتهم قبل ان يفوت الآوان.
تلهينا الحياه عن الكثير من الناس و ننشغل بالعمل وجنى المال لشق طريقنا فى سبيل تجهيز زفاف و تكوين انفسنا وهذا امر طبيعيى فهم كانوا مثلنا عندما كانو فى نفس عمرنا ولكن نحن نشق طريقنا ونحن نظن انهم سينتظرونا ليحضروا فرحنا ويشاركونا نجاحاتنا ولكن فى الحقيقة حيث اننا فى بداياتنا هم فى نهاية الطريق.
هم يستحقون ان نخصص لهم وقتا لزيارتهم فسيسعدون بذلك اكثر مما نتوقع ؛ فكل ما عينا هو زيارتهم من حين لآخر . اقترب منهم، تذكر ملامحهم جيدا، لأنه من الممكن أن يسرقك الوقت ولن تراهم مرة اخرى.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات