ولا مفر أن تفضي عقدة التأخر إلى الإفراط، الإفراط في التقدمية وإظهار التقدم
تفاخر وتباهي:(عن اليوتيوبرز وثقافة الإستهلاك)
المتابع لليوتيوبرز الجزائريات، يكاد يلاحظ نسخة طبق الأصل عن المحتوى المقدم(طبخات، مشتريات الأواني، ديكور، مكياج) وهذا لا يعاب كون المرأة بطبيعتها تميل إلى هاته الأمور بالفطرة،
لكن أن يطغى جانب المظاهر والتفاخر وتغذية البطون وتجميل الشكل الخارجي، على جانب الاعتناء بدواخلنا، وتهذيبها، والاعتناء بعقولنا وتغذيتها فهذا مما يعاب على الجميع وبشدة.
فالأولى أن تهتم هؤلاء كونهن (مؤثرات)، بجانب تغذية عقل الفتاة وتثقيفها، وتنمية مداركها، وتوعيتها دينيا، وكذا توعيتها بحقوقها،
ويا حبذا لو نشاهد تلكم اليوتيوبرز يعرضن مشترياتهن من الكتب بدل مشترياتهن من الأواني، ورصيدهن المعرفي والشرعي بدل الاقتصار على التزويق الخارجي.
وبالرغم من محدودية دخل الفرد الجزائري، إلا أنك تجد حربا طاحنة وتسابقا محموما بين اليوتيوبرز حول تصوير موائد الإفطار، وعرض أفخم الأكلات.
وينقسم الرأي العام حول هذا إلى فئتين:
فئة ترى أن ذلك التصوير للطبخات والأكلات مذموم ويتسبب بأذى نفسي للفقير.
وفئة أخرى ترى أن تلك الصور بريئة ومن قبيل تبادل الوصفات والأفكار بين البنات بغرض التعلم والتطوير.
لكن الملاحظ مؤخرا، أن الأمر زاد عن الحد، ليس بسبب الوصفات وحدها، ولكن بسبب ثقافة الأطقم ومشتريات الأواني التي باتت موضة هاته الأيام،
فالأطقم التي تعرض فوق مائدة واحدة من دون احتساب لثمن الأكلات المعروضة، تساوي قيمتها ثروة.
فمن الأطقم التركية المتعددة الأشكال و الألوان، إلى الأواني النحاسية والذهبية الفخمة، إلى أطقم القهوة والشاي والسهرة وووو،
بحيث قد تساوي قيمة طقم واحد مرتبا كاملا لمواطن جزائري بسيط.
قد يقول قائل أن الناس حرة فيما تعرض أو تقتني وحرة في كيفية إنفاق أموالها، وأن الناس من قديم الزمان تتفاوت،
ومائدة الغني لا تشبه حتما مائدة الفقير، ومن حق الغني الإمتاع والاستمتاع والتباهي.وأن محاولتكم لتسوية الغني بالفقير،
هي التي جعلت الفقير يحسد و يتحسس وينافس ويرهق نفسه في سباق غير متكافئ مع الغني،
ويريد أن يتساوى معه شكلا ومظهرا وهذا ما يسميه دوستويفسكي بمتلازمة"زهو الفقراء".
وهنا يشعر الأغنياء بالتشابه واكتساب صفة العمومية، وبانعدام الأهمية،
فتبادر الشركات الاقتصادية، لابتكار أشياء وسلع جديدة وباهظة، فيصبح عامة الناس أمام موضة جديدة وتحد جديد يثقل كاهلهم،
وينطلقون ثانية كالخراف متتبعين خطى الأثرياء، وبالتالي أسر جديد وعبودية جديدة.
ومع نسبية صحة هذا الطرح، إلا أن المتابع لهؤلاء اليوتيوبرز يدرك جيدا أننا كمجتمع عربي متخلف نعاني كلنا متلازمة (زهو الفقراء).
في كتاب علي شريعتي "مسؤولية المثقف" ذكر الكاتب أن النساء العربيات يرتدين ملابس أفخم من النساء الغربيات،
وأن العمارات الحديثة بدول كالبرازيل والكويت أكثر فخامة وأسطورية بحيث قد لا نجد لها نظائر في أوربا كلها.
وذلك بسبب مركب عقدة النقص الذي نعاني منه في مجتمعاتنا المتخلفة،
ولا مفر أن تفضي عقدة التأخر إلى الإفراط، الإفراط في التقدمية وإظهار التقدم.
من أين تحصل اليوتيوبرز على الأموال؟!
إحدى اليوتيوبرز صرحت مرة بعد سؤال إحدى المتابعات عن ثمن الخواتم التي وضعتها في حفلة زفاف أختها فقالت أنها (بلاكيور) بمعنى ذهب مزيف!!
وأنها متوسطة الحال، وليس لها من المال ما يمكنها من اقتناء الذهب!!مع العلم أن ما تعرضه هذه الأخيرة يوحي بأنها من الأثرياء.
يوتيوبرز أخرى صرحت أن المنزل الذي تسكنه بالكراء وليس ملكا، وأنهم متوسطو الحال،
في حين أنها تصور كل يوم طقما جديدا فاخرا!!
فمن أين تأتي هؤلاء بكل تلكم الأواني والأموال؟!
هنالك فيلم أمريكي فكرته إبداعية ومؤثرة وواقعية, وهادفة رغم بساطتها وسهولة لمسها في الحياة العامة. يروي الفيلم انتقال عائلة مثالية إلى حي راق, وسط جيران ميسورين، حيث أم جميلة الشكل، وأب وسيم ورشيق, مع ابنيهما (شاب وفتاة في الثانوية) ، وتبدأ حكاية التقرب من الجيران واستعراض الساعات الفاخرة والسيارات الرياضية وإقامة الحفلات في المنزل، ويبدأ الجيران في تقليد العائلة الجديدة، فيكدسون الكماليات في بيوتهم من مضارب التنس والغولف الفاخرة إلى تلفزيونات عملاقة، وآلات جز عشب إلكترونية، ومساحيق تعيد الشباب وأحذية رياضية جذابة.. وهكذا.التقليد والمفاخرة دفع بعض الجيران لمحاكاة جيرانهم، ثم استيقظ الجيران ذات صباح على خبر انتحار أحد الجيران رغبة في التخلص من ثقل الديون. بعد هذه الفاجعة الأليمة اكتشف الجيران حقيقة العائلة الجديدة, والتي لم تكن عائلة حقيقية بل مجرد أفراد "يمثلون", بحيث تقوم مؤسسة تجارية بزرع عائلات مزيفة مهمتها الاستقرار المؤقت في أحياء صغيرة وثرية، ومنح انطباع السعادة الكاملة لمن حولهم بفضل الأدوات الإلكترونية والتحف الثمينة والسيارات الفاخرة التي يملكونها، بهدف فتح شهية جيرانهم لاقتناء الأشياء نفسها.
قد يغفل الكثير منا أن هؤلاء اليوتيوبرز الذين يروجون لثقافة استهلاكية لا نجني منها نحن سوى خراب البيوت،
تستفيد منها صاحبة القناة من خلال أموال شركة اليوتيوب،
أو من خلال شركة أو محل أواني مقابل الترويج لسلعته،
فقد لاحظت أكثر من مرة أن صاحبات تلكم القنوات يعرضن الأواني بشكل دوري،
ويذكرن اسم المحل الذي اقتنوا منه هذه الأواني، أو اسم الموقع أو الشركة على الإنترنت،
وبالتالي هي شراكة بين المنتج وصاحبة القناة لدفعنا لمزيد من الاستهلاك.
هل هنالك آثار سلبية تترتب على ذلك؟
!لا شك أن هنالك آثارا سلبية كثيرة تترتب على ذلك، مقابل نتف ضئيلة جدا من الاستفادة،
فهذه النماذج المعروضة تمارس على المرأة ضغطا عصبيا واكتئابا وتدفعها لمقارنة نفسها بالأخريات،
وبالتالي إحساسا بالظلم والدونية التي تؤدي بدورها لضغط على الزوج ومطالبته فوق ما يطيق وتتفاقم المشكلات بين الزوجين.
بالإضافة لمشاكل أخرى كثيرة فما يعرض من أطباق ومأكولات يتطلب جيشا من الخدم أو المعاونين لإنجازه،
وجيشا آخر لتنظيف ساحة المطبخ بعد الانتهاء.
في حين لا يتناول الواحد منا سوى حبة بوراك وغرفية حريرة، أتساءل ما الذي يدفع بالنساء للتسبب بشقائنا؟!
وإذا كانت قدرات النساء وصحتهن الجسدية تتفاوت، وكذا تقسيمهن لأوقاتهن وأعبائهن، فقد تضيع إحداهن صحتها البدنية وأوقاتها في إعداد الكثير من الوجبات،
بينما تجد نفسها آخر اليوم منهكة، وبدون قدرة على القيام، والطاعات.
في حين تستثمر أخرى أوقاتها في الطاعات والعبادات بما يشق عليها طول الوقوف في المطبخ وذلك لأنها قضت ليلها في طول القيام.
المرأة هي المتسبب الرئيس في هذا،
ورغم ذلك فأكثر الضرر من جراء ذلك التفاخر سيكون من نصيب المرأة،
لذا أقول دوما أن المرأة أكثر من يظلم المرأة.
ففي الزمن الماضي كان الجزائريون يجتمعون حول صحن واحد،
ومع التقدم والعصرنة، صار لكل فرد صحنه الخاص،
والآن تطور الأمر ليصبح لكل فرد ثلاثة صحون لوحده،
وإذا كان متوسط العائلات مكونا من أربعة أفراد، فيمكنكم احتساب عدد الصحون التي سيقع عبء تنظيفها على المرأة وحدها.
استوردنا الفردانية وإتيكيت المطبخ والتقدمية الغربية،
غير أننا ألغينا أن الفردانية تتطلب أن يقوم كل فرد بتنظيف صحنه وملعقته وشوكته وكأسه وووو.
لذا نحن نعيش بمظاهر غربية، وقيم جاهلية،
فعوض أن تعلم المرأة أطفالها, وزوجها أن يقوم كل فرد بتنظيف صحنه،
تتحمل هي كافة الأعباء.مع أن ذلك ليس من ديننا،
فقد ورد عن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ وَيَرْفَعُ دَلْوَهُ وَيَعْلِفُ شَاتَهُ وَيَقُمُّ بَيْتَهُ وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ }.
تحية لأم وليد:
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
المقال رائع جدااا شكرا لك.
لكن ما اسم هذا الفيلم؟