وجدت نفسي تائهة بين الصواب والخطأ، بين ما أريده وما يجب فعله، بين ما أرغب في الوصول إليه وما أصل إليه بالفعل

كنت دائمًا ما انتظر الفرصة التي أتمكن فيها من السفر إلى المملكة العربية السعودية لتأدية مناسك العمرة التي ظللت أحلم بها سنوات طويلة


لكن لن يحالفني الحظ، جاء الفيروس اللعين "كوفيد 19 - كورونا" وانتهى هذا الحلم تمامًا عندما رأيت "الكعبة" خالية من البشر ولا يقترب منها أحد


هنا ظننت أن الله لا يرغب في ملاقاتي ولا يريد أن أزور بيته الحرام، وبعد هذه الجائحة وجدت نفسي تائهة بين الصواب والخطأ، بين ما أريده وما يجب فعله، بين ما أرغب في الوصول إليه وما أصل إليه بالفعل


أردت أن أرضى بما كتبه الله لي في كثير من الأحيان ولكن كان صوتي الداخلي دائمًا ما يقول عكس ذلك، يردد كلمات قاسية للغاية مثل "الله لا يحبك" "الله لا يريدك" "لن يحدث أي تيسير في حياتك" "ستظلين كما أنت إلى الأبد" "لن تزوري الكعبة ولن تحققي هذا الحلم إطلاقًا"


هذه الكلمات كانت تأتي إلى عقلي يوميًا، لكن لن تمر على قلبي للحظة، فدائمًا ما كانت صراعات قلبي وعقلي مرهقة للغاية أظل عالقة بينهما طوال الوقت، وفي هذا الموقف بالتحديد كان صوت عقلي مرتفع ولكن قلبي رفض تمامًا تصديق هذه الكلمات بكل الطرق الممكنة


وكان لطف ورضا الله أكبر من أي صوت بداخلي أو خوف أو تمرد كنت أشعر به، فقد أشاء أن أذهب لزيارة بيته الحرام في أقل من 15 يوم!


لن أصدق وقتها أن هذه المعجزة تتحقق أخيرًا، ظللت كاتمة للفرحة بداخلي كعادتي، فلن أرغب في إظهار سعادتي من جديد عندما ارتديت ملابس الإحرام البيضاء التي جعلتني أبدو كالعروس


ولن أرغب في إظهار بهجتي وأنا في طريقي إلى المطار وأنا أحمل معي كل همي وحزني وفي طريقي إلى إلقاءهم بالكامل أمام الكعبة


حان وقت إقلاع الطائرة، هنا بدأت أدرك بأن هناك معجزة على وشك أن تتحقق، لكن بسبب طبيعة تفكيري التي أكرهها دائمًا وجدت أن الخوف والقلق يسيطران على نفسي من جديد


رددت كلمات اليأس مرة أخرى، وخلقت لنفسي جُمل محبطة وقاسية للغاية، وكان هذا هو السبب في عدم شعوري بالسعادة، فأفكاري وكلماتي السامة دائمًا ما كانت أكبر عائق أمامي


دعوت الله في تلك اللحظة أن أترك كل هذه المشاعر السلبية وراء ظهري وأنظر أمامي ولا أدع الخوف والقلق يحول حياتي إلى جحيم، وكانت هذه أول أمنياتي التي استجاب إليها الله وحققها لي دون أن أكررها مرة أخرى


فور دخولي الأراضي المقدسة ووصولي إلى الكعبة وجدت السكينة التي كنت أبحث عنها في كل مكان، شعرت بالرضا، عثرت على السلام أخيرًا، ولدت من جديد وكأنني لن أرتكب أي ذنب طوال حياتي


تمسكت بهذه المشاعر بقوة وكأنني وجدت طفلي الضائع بعد سنوات طويلة من البحث، لن أرغب في زوال تلك المشاعر من بين يدي، وظللت أرويها وأهتم بها 5 مرات يوميًا مع كل صلاة


أخيرًا، تمكنت من رؤية حصادي، لقد ظهرت أول وردة حمراء متفتحة في حديقتي المظلمة، أدركت في تلك اللحظة أن هناك أمل، حياتي يمكن أن تتغير وتكون مليئة بالورود الجميلة التي كنت أحلم بها


ظلت هذه المشاعر تكبر بداخلي يومًا بعد يوم حتى خروجي من مكة، فعند ذهابي إلى المدينة المنورة شعرت بأن هذه المشاعر قد تختفي من تلقاء نفسها، لكن حدث شيء لم اتوقعه عندما وجدت نفسي داخل الروضة الشريفة وشعرت بسيدنا محمد – صل الله عليه وسلم –


كانت رسائله تأتي أمام عيني طوال الوقت وكأنه يقول لي "أنا معك وسأظل بجانبك طوال الوقت"، وبالفعل كان معي في كل مرة أتذكر فيها أداء ‎سُنن الصلوات التي أمرنا بها


الراحة والرضا التي شعرت بها أثناء رحلتي القصيرة جعلت حديقتي تزدهر من جديد ليس فقط ببعض الورود الجميلة، بل بأزهار لن أراها من قبل في حياتي، هذا الأمر جعلني أركض للصلاة دون التفكير في شيء أريد أن أطلبه من الله كما كان يحدث دائمًا معي


وأصبحت أنتظر قليلًا بعد كل صلاة لكي ألقي التحية على سيدنا محمد – صل الله عليه وسلم – من خلال أداء سُنن الصلوات


فهنا تكتمل راحتي ويصل شعوري بالرضا إلى أقصى الدرجات، وأصبح يومي لا يكتمل سوى بعد إتمام هذه الطقوس على أكمل وجه وبالشكل الذي اعتدت عليه خلال رحلتي وأصبحت أرى الكعبة أمامي في كل صلاة وكأنها حقيقية


لا أرغب في ترك هذه المشاعر إطلاقًا، لا أريد أن أتخلى عن هذا الرضا مع مرور الوقت، أدعو الله أن يزيدني منه ما دمت اتنفس وأن يرزق كل مسلم بأضعاف هذه المشاعر الجميلة



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تعبيرك ووصف الحاله تحفة ..بالتوفيق

إقرأ المزيد من تدوينات الشيماء صلاح

تدوينات ذات صلة