لكل قصة في هذه الحياة عدة وجوه، فلا تتسرع باطلاق الحكم على قصة لم تر منها سوى الجزء اليسير.

لا تتوقف فقصتك لم تنتهي بعد

غادرتني الكلمات فترة ليست بالقصيرة، فلم أكتب منذ وقت، وكأن الكلمات عالقة بين تلافيف المخ تأبى أن تخرج، وكلما استجديتها أكثر فرت وأمعنت في الابتعاد، إلى أن قررت بأنني لن أطلبها ما لم تأت طواعية، ويبدو أن هذا كان حلا معقولا، وها هي تمد يدها للصلح في هذا الصباح الباكر، تداعب قلمي وتهزه ليسطر شيئا على الورقة التي طال بها الشوق لشيء يحبر بياضها، ولكن الكلمات كانت تتزاحم والأفكار تومض وتختفي في نفس اللحظة، وحتى أغتنم هذه اللحظة بدأت بالكتابة دون خط سير معين، وكأنني في غابة أغصانها متشابكة وأنا أتحرى موطئا لقدمي، وهذا كله غير مهم المهم بأن الكلمات أفلتت من عقالها وأتت بعد طول غياب.

وعدم الكتابة لا يعني كمون الفكر بل هي فرصة لمراجعة النفس والوقوف على بعض المشاعر المتشابكة والمضطربة، ولم يتوقف الحوار الداخلي بكل أشكاله، ما بين لوم وتقريع حينا، وإيجاد الأعذار أحيانا أخرى.

لن أدعي المثالية وأقول بأن كل ذلك يسير وفق خط يسير، بالعكس كل ذلك يحدث بشكل معقد وسط ضوضاء وفوضى داخليه، تكاد تصل حد الشجار، وذلك الصوت الداخلي الغاضب يلقي اللوم على نفسي كما هي العادة، يصيب أحيانا ويخطئ أحيانا، وكم تمنيت لو أجلسته أمامي كي أشبعه صربا عله ينهي هذه الحالة من الفوضى والإرباك التي يضعنا فيها بين الحين والأخر، فماذا يريد ذلك الصوت.

صوتك الداخلي معك أم ضدك؟

جميعنا يمتلك ذلك الصوت الذي لا ينفك يتحدث طوال الوقت دون توقف، منبها أحيانا ولائما أحيانا أخرى، ولكنه قد يأخذ منحى حادا في التقريع وإلقاء اللوم على الشخص نفسه فيحمله ما لا يطيق، فكل ما حدث بسببه، وكل خذلان وصفعة له يد فيها، فهل حقا نحن من تسبب بكل ذلك؟ وهل هذا الصوت معك أو ضدك؟

لا شك بأن الإنسان يتحمل جريرة أفعاله وأقواله، ولكن ليس من الإنصاف أن نهمل تداخلات الأطراف الأخرى في الحياة، الشريك والصديق والجار وحتى بائع الليمون، كل هؤلاء الاشخاص وغيرهم يدخلون في سير الأحداث، وقدرة الإنسان على عزل كل ما هو سيء قدرة محدودة فلا تدري أحيانا كثيرة من أين ستأتيك الصفعة، والحذر لا يغني من القدر، بمعنى أن هنالك أحداثا ستقودك لقدر معين، وما كان ظاهره سيء قد يحمل بين طياته أقدارا جميلة، والعكس صحيح، وكمت يقال فإن الأمور بخواتيمها، فالقصة لم تنتهي ولا زالت فصول الحياة مستمرة، تعود أن تحيل هذا الصوت ليكون معك، حاوره وجادله كلمة بكلمة وحجة بحجة، لا تجعله يشدك لمواطن اليأس والأحباط، أو أن يصنع لك قصورا من الهواء، ففي الحالتين لا فائدة ترجوها منه، اصنع منه صوتا عقلانيا يسمعك ما يزيدك اصرارا وعزيمة ولا تتقبل منه إلا كل ما هو مفيد وعملي.

قصتك لم تنتهي بعد فاصبر

خلق الله عز وجل الحياة وقيد قدرة العقل في الدنيا فلا نرى منها إلا جزءا يسيرا، وهذا ينطبق على كل تفاصيل حياتنا، فنرى جزءا من الصورة فنطلق الأحكام، ونخاصم ونجادل ونغضب دون أن ندرك بأن القصة لها وجوه عدة، ومهما كنت متيقظا فطنا فلن تستطيع بإدراكك البشري المحدود أن تلم بجميع جوانب الحكاية،ولن تطلع على سريرة الأشخاص من حولك، لذلك توقف عن لوم نفسك على كل خسارة أو فشل، فالفشل في أمر ما قد يقودك للنجاح في أمر أخر، وخسارة بعض الأشخاص تفسح المجال لدخول أشخاص جدد لحياتك، وقد يكون تعويض الخسارة يكمن في الخسارة ذاتها.

كلنا يدعي بأنه متوكل على الله ولكن هل توكلنا حقيقي؟ أم أنها مجرد كلمات نرددها لأنفسنا ولا نعمل بها، التوكل الحقيقي يعني التسليم التام لأمر الله، والنظر بعين البصيرة لا البصر للمحنة والبحث عن المنحة التي تكمن بداخلها، فالله عز وجل قال وقوله الحق إن مع العسر يسرى.

سلم أمرك لله ولا توقف السعي، وتجنب البكاء على أمور لست أنت المتحكم بها أو المسؤول عنها، واصبر فقصتك لم تنتهي بعد.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات قلمي / عبير الرمحي

تدوينات ذات صلة