يعيش الإنسان حياته محاولا فهم الحياة، ولكننا لن ندرك معنى الحياة قبل أن نعرف من نحن؟ من أنت؟
زاوية
كنت أشرح لها عن جمال الصنية المربعة والتي أنوي أن أشتريها لها، وكعادتها فاجأتني قائلة أريدها
دائرية لأني لا أحب الزوايا.
ولأول مرة أدرك بأنني لم أفكر بهذا الموضوع طوال سنوات حياتي، أعلم طبعا ما أحب وما أكره في
الأشكال والألوان ولكن لم يخطر لي أن أبحث عن السبب أو عن تفسير سبب الحب أو الكره كما فعلت هي، كلمات قليلة منها قلبت عالمي رأسا على عقب، وبنظرة فاحصة وجدت بأن بيتي يخلو تقريبا من الأشياء الدائرية، فمعظم الأشياء لها زوايا، مربعة أو مستطيلة، مع قليل من الشكل البيضاوي، وهنا بدأت الأسئلة والتحليلات، فكيف لم أدرك المعنى الحقيقي لهذه الأشكال.
تهافتت الذكريات من كل حدب وصوب، ذكرياتي في الشراء، وكيف كنت أتجنب كل ما يخلو من الزوايا، وكأن الزوايا كانت هدفا أصيلا أثناء انتقاء ما أريده، ولكن من الذي سيحلل لي هذا الهوس والذي أدركته متأخرا، من سيقرأ تفاصيل تلك المعضلة، وهل لدى الطب النفسي إجابة عن هذا السؤال الغريب، وكلما تعمقت في التفكير أكثر وتشعبت النظريات من وجهة نظري زاد الوضع تعقيدا، فأصبحت تائهة ما بين تفسير سبب حبي للزوايا، وما بين لماذا لم يخطر لي ذلك من قبل، وكأنني أتعرف على جانب من شخصيتي لم أعرفه من قبل، وهنا لمع السؤال الوجودي، هل نعرف أنفسنا حقا؟ وهنا حضرتني جملة أحفظها وأرددها دائما لجبران يقول فيها
( ما اخترت الصمت جواباً إلا لمن سألني: من أنت؟)
فمن أنا؟
ومن هنا بدأت الحكاية، فما هو الجواب الشافي لهذا السؤال؟ وأطلت الكلمات برأسها لتدلي بدلوها علها تعطيني جوابا مقنعا، ولكن هيهات هيهات، فأنا لا أريد إجابة فلسفية وحسب، أريد شيئا يصفني، يصف كينونتي، ولو أردت جوابا فلسفيا لقلت أنا إنسان وانتهت القصة، أو لربما قلت أنا حطام، روح هائمة، عابر سبيل، إلى أخره من تلك الإجابات، ولكني أردت شيئا أعمق، شيء واضح الملامح، يصفني وكأنه يرسم داخلي بريشة فنان، وكعادتي بعد صراع مرير مع الصوت الداخلي والذي طالما أتحفني بأرائه الغريبة وتحليلاته الفريدة، ذلك الصوت الذي يجلدني دائما ويضن علي بلحظات الهدوء، صرخ أخيرا بما اعتبرته بأنه الكلام الذي سينهي هذا الجدل العقيم بيني وبين صوتي الداخلي، صرخ قائلا: ( حبل مليء بالعقد ولكنه رغم كل ذلك ما زال قادرا على مساعدة الأخرين للخروج من بعض الحفر التي يقعون بها ). وحل الصمت أخيرا، وتوقف الزمن هنيهة، وفي تلك اللحظة الثمينة من الصمت أدركت الحقيقة، إن السبب وراء حبي للزوايا، هو أنني أبحث دوما عن زاوية أحشر بها نفسي هربا مني ومن كل تلك العقد التي ملأت جوانب الحياة،
فأنا وبالرغم عن كل تلك العقد أحاول قدر الإمكان مد يد المساعدة للأخرين وانتشالهم من بعض ما يعتريهم من تشويش وضبابية في الرؤيا، قد لا أمتلك الكثير للمساعدة ولكن يكفي أحيانا أن تصغي لمن ملأ الهم والحزن حياته، وفي بعض الأحيان يكفي أن تشبع الدنيا شتما مع من ملأ الغضب حياته، ووسط كل هذه الفوضى وبعد أيام من التوتر ومحاولات المساعدة لا بد لي من مهرب وهنا كل ما أحتاجه ركن صغير ممتلئ بالصمت وزاوية أحشر بها نفسي بعيدا عن ضجيج الحياة وقسوتها.
التعليقات