لقد تغيرت ولم تعد كما كنت، تلك من أكثر الجمل تداولا في زمننا هذا، فهل تغيرنا فعلا؟ وهل هو تغير للأفضل أم للأسوأ؟ فلنفكر سويا علنا نحصل على بعض الإجابات.

لطالما آمنت بأن داخل كل شخص تعرفه شخص أخر لا تعرفه، ولكن ومع كل تفهمي لذلك إلا أنني ما زلت أصاب بالدهشة للتغييرات التي تصيب من حولي، وكأنهم أشخاص جدد لا أعرفهم، تناقض رهيب أصاب شخصياتهم، سلوكاتهم وحتى قناعاتهم، والأدهى من ذلك تلك القسوة التي ظهرت فجأة فكلماتهم باتت جارحة وملاحظاتهم قاسية وأحكامهم على الأخرين جائرة، وكثيرا ما سألت نفسي هل تغيروا حقا؟ أم كانوا يخفون حقيقتهم عني بكل براعة كما قالت لي إحداهن، والحقيقة أني لم أقنع بأي من تلك الإجابات، فلا يوجد شخص يخدعك سنوات وسنوات دون أن تلاحظ شيئا، ولا يوجد تغيير يبرز فجأة من العدم، إذا لا بد من أن هنالك ما حصل واستدعى كل ذلك، فمن الذي أيقظ المارد في داخل هؤلاء؟ وهل سنصاب بما أصابهم أم نحن في معزل عن ذلك؟ ويبقى السؤال عالقا هل تغيرت؟ ومتى وكيف حدث ذلك؟

تمر بنا الأيام سريعا نعيش بعضا منها وكأننا في الجنة، والبعض الأخر يمضي دون أي أثر يذكر، مواقف تكسرنا وأخرى ترمم بعض ذالك الخراب بداخلنا، وقلما تتركنا دون إحداث أثار لا تمحى داخل أرواحنا، ومع الوقت يبدأ التغيير، تتغير نظرتنا للأمور وللتعاطي مع المواقف والأحداث، ندرك مع الوقت بأن ما كان يبكينا سابقا نواجهه اليوم بالصمت فقط، وابتسامة شاحبة قد تكون كافية لحدث كان يجعلنا نتقافز فرحا فيما مضى، كل ذلك يحدث دون أن نعي بأننا ما عدنا نحن، الحزن الذي كان يتحول لغضب عارم أصبح اليوم شلالات من الدموع ونظرة نحو السماء عل دعواتنا تستجاب، ومن المهم جدا عند إدراكنا بأن ردود أفعالنا تغيرت أن نحسن التعامل مع هذا التغيير فلا ننكره، وإنما علينا تفهم المرحلة والتعامل مع مشاعرنا بحذر شديد، حتى لا يتحول التغيير لقسوة في الطباع أو لضعف لا يرجى اصلاحه، ومن الملاحظ أن البعض قد يذهب لأقسى من ذلك فيتحول لشخص قاس لا يهمه سوى إيذاء من حوله كي يشعر بأنه ليس وحيدا فيما يمر به، قسوة تشعرك بأنه تحول لشخص أخر لا تعرفه، فلا أعذار تقنعه ولا رحمة تعيد له صوابه، يقسو بلا رحمة، وكأنه يخلص دينا قديما ممن حوله، ومن هنا تبدأ الأسئلة التي لا نهاية لها، هل حقا كنا نعرف هذا الشخص؟ هل خُدعنا به طوال تلك الأعوام الماضية؟ ومن أين أتت كل تلك القسوة؟ هل كان يخفي وحشا بداخله وحرره الآن؟

إن الإجابة عن كل تلك الأسئلة يكمن في محاولة فهم ما مرّ به هذا الشخص عبر السنوات الماضية وحجم المعاناة التي مر بها، فالإنسان بطبعه فيه بذرة من كل شيء من الخير والشر، من القسوة والحنان، وهو وحده من يقرر أي من ذلك يغلب على طبعه، ومما لا شك فيه بان الصدمات والمواقف المتراكمة عبر السنين قد تؤدي لتعاظم الشر والقسوة داخله، فنراه يقسو ويقسو ولديه من التبريرات الشيء الكثير، فالشعور بأن الخير الذي قدمه لم يثمر سوى الأذى من الأخرين هو ما يدفعه لكل ذلك، ولا يعتبر ذلك تبريرا لقسوته وإنما محاولة لفهم ما حدث ومحاولة لمد يد المساعدة ولو بالقليل، فتفهم الحالة وتشخيصها جزء من العلاج، وليس ذلك بالأمر السهل أو اليسير ففي كثير من الأحيان يحتاج هؤلاء الأشخاص لمتابعة متخصصين وليس مجرد نصيحة أو استشارة، وعلى المحيطين بهم التنبه بأن الموضوع ليس مجرد تغيير بسيط وإنما سلوكيات مقلقة تنبئ بأن الأمور تتجه نحو الأسوأ، وما نراه اليوم من حالات الأذى الجسدي التي يقوم بها بعض الأشخاص والذين كانوا أبعد ما يكون عن هذه السلوكيات لهو أكبر دليل على أن الإنسان سيد المتناقضات في كل العصور، ويبقى التغيير سمة إنسان هذا العصر تحديدا لكثرة المتغيرات الاجتماعية حوله .


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات قلمي / عبير الرمحي

تدوينات ذات صلة