ما بين بداية أي أمر ونهايته العديد من التفاصيل التي لا يدركها الكثير من الناس، ولكن على الأقل علينا أن نفهم الدرس منها جيدا
ما بين نهاية وبداية
تحاصرنا النهايات طوال حياتنا، نهاية يوم، نهاية موسم، نهاية عام مضى بكل أحداثه، نهاية حدث جميل، نهاية علاقة لم تدم طويل، وسواء أكانت النهاية حزينة أو سعيدة، فإن تركيزنا ينصب دوما نحوها، ونغفل بأن كل نهاية يتبعها بداية، ولا نلتفت للبدايات والتي تعتبر مهمة جدا، فالبدايات تترتب عليها كل النهايات المحتملة، فإذا قرأنا البدايات بعين متيقظة وعقل واع لربما أقول لربما استطعنا أن نصنع نهايات أقل ألما وحزنا.
تأتينا بعض البدايات بشكلٍ مفاجئ فنتعامل معها بعشوائية ودون تمييز، تأخذنا العاطفة أحيانا فنحكم على تلك البدايات بأنها مبشرة فنغلق عين العقل ونفتح عين القلب الذي يضللنا في كثير من الأحيان، لأن القلب كثيرا ما يصور لنا الحياة وكأنها عالم مثالي خال من الغش والخداع، يعيش في مدينته الفاضلة والتي أثبتت التجارب بأنها غير موجودة إلا في خيالنا، فنعتقد بأن كل شخص صديق وكل موقف عفوي، ولكن للأسف التفاصيل الصغيرة تقول كلاما أخر، ولو دققنا النظر في التفاصيل لتجنبنا الكثير من الألم، ولا يعني هذا أن نسئ الظن في كل المواقف والأشخاص، ولكن قليل من الحذر لا يضر، والحذر يعني إبقاء العقل في حالة من اليقظة والسماح له بإطلاق علامات التحذير المهمة بعيدا عن هيامات القلب ولواعجه.
أما البدايات التي تأتي بعد نهاية حزينة فتلك هي الأخطر، فالخروج من الحزن محفوف بالمخاطر، حيث يبحث الإنسان عما يعوضه عن كل ما مر به من أحزان سابقة، فلا يشعر بنفسه إلا وهو يلقي بكل ثقله العاطفي لأول عابر سبيل، دون تمحيص ولا تفكير، فكلمة واحدة متعاطفة قادرة على نزع ثوب الحذر وتلك من أصعب المواقف فترى الشخص وقد خرج من تجربة قاسية ليقع فريسة تجربة ستكون أشد وقعا، وأكثر ألما، والمراقب من بعيد سيرى وبكل وضوح نتائج تلك البداية وعواقبها، وللأسف فإن النصح والإرشاد في هذه المرحلة مضيعة للوقت، فصاحب التجربة الآن مغيب بفعل تأثيرات البدايات الجميلة والوعود المخملية والتي لا تكلف مطلقها أي شئ فيقدمها له بدون حساب، وصاحب التجربة لن يقبل منك نصحا وهو يتلقى الكلام الوردي من الطرف الأخر بل بالعكس قد يناصبك العداء، وقد يتطور الأمر ويتهمك بأنك لا تعلم ما مر به، وبأنك تغار منه وتحسده على النعيم الذي يعيشه الآن، فهو يظن بأنه قد حصل على العوض الجميل الذي سيرافقه بقية عمره، فهو لا يرى ولا يسمع ما تراه وتسمعه أنت، ولا يمكن في هذه الحالة سوى الاستعداد لترديد الكلمات المعتادة من مثل ( قلت لك، ونبهتك ولكنك لم تستمع لي )، وستسمع منه نفس الكلمات في كل مرة من مثل (يا ليتني استمعت لك، لم أنتبه، لم أدرك وغيرها الكثير )، وهنا ومن وحي تجارب الكثير من الأشخاص، لا بد من عزلة قصيرة يعيد الإنسان فيها ترتيب أوراقه، ومراجعة عميقة للذات، ولا ضير من بعض التأنيب والتقريع للنفس حتى لا تقع في مثل تلك التجارب مرة أخرى.
إن حوارا حقيقيا مع النفس، حوار صادق تفتح فيه كل الملفات وتنظف فيه كل الجروح هو ما يحتاجه الفرد بين فترة وأخرى، دون محاباة ولا مداراة، فهذا كفيل بإعادة التوازن للإنسان، مع التركيز على تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقة، مثل (أخطأت وتسرعت)، وغيرها من الكلمات التي تصف ما حدث طوال فترة زمنية معينة، ووضع خطة واضحة للخروج من كل هذه المآزق والمشاكل، وبالطبع فإن هذا العمل ليس بالأمر السهل، وقد لا ينجح فيه العديد من الأشخاص وذلك لرفضهم مواجهة أنفسهم، فيبحثون عمن يلقون عليه التهم في كل ما حدث.
وخلاصة القول بأن الإنسان إن لم يواجه نفسه مرة واحد على الأقل في العمر فقد حكم على نفسه بتكرار الأخطاء مرة تلو الأخرى، وسمح للكثير من الأشخاص بصفعه مرات ومرات عله يتفيق من غفلته ويواجه نفسه بالحقيقة، فالإنسان كائن اجتماعي بفطرته، ولا يمكنه إلا أن ينغمس في العديد من العلاقات، ولكن الحذر واجب ومطلوب، فلا داعي للاندفاع وإلقاء كل الأوراق على الطاولة مرة واحدة، فالتأني هو الحل الأمثل، والتقدم خطوة بخطوة هو خيط الأمان الوحيد الذي علينا أن نتمسك به مع كل بداية.
وكما قلنا سابقا فليست كل بداية نهايتها سيئة، ولكن كل نهاية سيئة لها بداية غير مناسبة.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات