هل الإسلام دين ذكوري؟ هل ألصق الإسلام الصفات السيئة بالمرأة؟
هناك من يقول بأن الدين الإسلامي دين ذكوري يفضل الرجل على المرأة وهناك من يقول بأن الإسلام يهين المرأة ويقلل من شأنها، ومن يقول ذلك لا يخرج عن أحد هذين الفريقين: فريق يريد قهر المرأة باسم الدين والشرع ويفسر تعاليم الدين حسب هواه وحسب انتماءاته وعاداته القبلية التي ورثها من أجداده وكأن تلك العادات أفضل وأحسن من شرع رب العالمين، وفريق آخر يريد أن يثبت بشتى الطرق أن الإسلام يهين المرأة حتى يبيح لنفسه عدم اتباع تعاليم الشرع وحتى يستمتع بالنساء بعيدا عن العلاقة النظيفة الراقية بين الرجل والمرأة.
وكلا الفريقين يسيء لنفسه وللمرأة وللإسلام أيما إساءة.
هناك من يستشهد من القرآن بآيات معينة ويقصد بها ذم المرأة وهناك من لم يقرأ من القرآن إلا القليل ولا يعرف منه إلا آيات القوامة والتعدد وكيد صويحبات يوسف وهناك من يستخدم هذه الاستشهادات المقتطعة ليؤكد أن الصفات النبيلة كلها مرتبطة بالرجل وجميع الصفات الدنيئة تنسب للمرأة.
والمتدبر لكتاب الله سوف يدرك أن الآيات التي وردت فيها كلمتي الذكر والأنثى وردت لتثبت مبدأ التكامل وليس مبدأ التناقض والتنافس أو المعاداة، فالحياة على هذه الأرض لا تكتمل بدون زوجين اثنين سواء من البشر أو الحيوان أو النبات. والرجل والمرأة متساويان في الطاعات والثواب والعقاب مع وجود بعض الاختلافات البسيطة التي لها علاقة بتكوينهما الجسدي.
وقد قال الله تعالى في سورة النحل:
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
ولا توجد آية واحدة في القرآن تقول بأن الرجل هو أساس حضارات الشعوب أو أن الرجل وحده قادر على الحياة بدون المرأة، فالمرأة جزء لا يتجزأ من تكوين الحضارات والشعوب كما ورد في سورة الحجرات:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
فلا فرق بين رجل أو امرأة في تشكيل الحياة وإن كان هناك مفاضلة، فإن مقياسها الأساسي هو التقوى، أما قوامة الرجل فهي تكليف ومسؤولية كبيرة وليست تشريف وليست من أجل التحكم والسيطرة وقهر المرأة، وإن كان هناك من يفهم آية القوامة بهذا الشكل، فيتوجب عليه مراجعة سيرة نبينا الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام وأخلاقه مع زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
والحقيقة أن المتأمل والمتدبر للقرآن يجد أن في القرآن قصص لرجال ونساء كثر...فيهم الصالح وفيهم الطالح، فالقرآن الكريم لم ينسب صفة سيئة لجنس النساء أجمع، بل عندما ذُكرت الصفات السيئة، لم تكن تعميما بل كانت لحالات خاصة مذكورة بالتفصيل.
والمثير للاهتمام أن الله سبحانه وتعالى ذكر حوالي سبع عشرة امرأة في القرآن، ثلاث منهن فقط كافرات، وأربع عشرة منهن مؤمنات صالحات.
والنساء الطالحات المذكورات في القرآن الكريم هن:
الأولى امرأة نوح التي أصرّت على الكفر برسالة نوح عليه السلام والتعلق بضلالات قومها، والثانية امرأة لوط عليه السلام، والتي كانت تقوم بتشجيع الرجال الشواذ على فعلهم المنكر، فنالها ما نالهم من وعيد وعقوبة، والثالثة هي أم جميل حمالة الحطب و زوجة أبي لهب عم رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وكما نرى فإن أفعال هؤلاء النساء ليست أفعالا عادية وعصيانهم ليس مجرد تمرد أو شكوى، بل كفر صريح وأذى واضح وكراهية للخير والحق.
أما النساء المؤمنات الصالحات في القرآن الكريم فهن حوالي أربع عشرة منهن:
آسيا بنت مزاحم، زوجة فرعون، التي رق قلبها لموسى وهو رضيع فأنقذته من قتل فرعون وأخذته وربته في حضنها، وهي أيضا من نساء وسيدات أهل الجنة كما جاء في الحديث.
ومن النساء الصالحات أيضا ملكة سبأ بلقيس التي كانت مواقفها فيها من الحكمة والعقلانية الشيء الكثير والتي كانت تعتمد مبدأ الشورى في حكمها، وعندما عرفت أن ما جاء به سليمان عليه السلام حق اعترفت بذنبها وتراجعت عما كانت تعبد من دون الله.
بالإضافة إلى ذلك توجد العديد من النساء اللواتي نزلت فيهن آيات أو سور كاملة مثل سورة النور التي نزلت لتبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها من قضية الإفك وكذلك سورة المجادلة التي نزلت لترد على تساؤل خولة بنت ثعلبة حول قضية الظِهار.
وفي كل واحدة من هذه القصص تفصيلات كثيرة قد أتحدث عنها في مقالات أخرى.
أما بالنسبة للرجال فقد ورد ذكر العديد من الرجال الصالحين الصابرين من أنبياء وأنصار وصحابة و ورد أيضا ذكر العديد من الرجال الطالحين الطغاة مثل فرعون وأبي لهب والسامري وهامان وقارون وغيرهم كثر.
ماذا يعني كل هذا؟
إن كل هذه القصص القرآنية المختلفة جاءت لتخبرنا برسالة هامة جدا: الخير والشر صفات إنسانية لا علاقة لها بجنس أو لون أو عرق، فالرجال منهم الأنبياء والرسل والصديقين والشهداء ومنهم أيضا الطغاة والفاسدين، والنساء منهن المؤمنات القانتات ومنهن الفاسدات والمحرضات على الفسق والأذى.
إن من يلصق صفات ذميمة مثل الكذب والخيانة بجنس دون آخر إنما يغالط نفسه ويتجاهل أبسط صفات النفس البشرية التي ألهمها الله فجورها وتقواها والتي لم يحددها الله تعالى في كتابه الكريم بجنسٍ دوناً عن آخر.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
تمام الذكر والانثى ذكروا في القرآن الكريم من اجل التكامل وليس التناقض والتنافس