في العام الماضي البشرية بأكملها أعادت حساباتها و تقييمها للإنجاز و النجاح ، فرغم كل ما حققناه جاء كائن خبيث (فيروس مجهري) ليدفعنا إلى التفكير.

لا يمكنك تحقيق النجاح إلا إذا أحببت ما تقوم به - ديل كارنيغهي

هناك نظرية في علم النفس تسمى بنظرية جيمس لانغ و تطرح التساؤل هل نبكي لأننا نتألم أم نتألم لأننا نبكي؟

من هذا المنطلق علينا تأمل التساؤل الآتي ما هو مقياس النجاح و ما مدى أهمية النجاح في حياة الأنسان؟

هل نسعى للنجاح لأنه يسعدنا أم لأن نظرة التقدير من الآخرين هي التي تسعدنا؟ اذاً من يضع مقياس النجاح، نحن أم الآخرين؟



من كتاب (علم الغرائب ) لريتشارد وايزمان، (في دراسة لجامعة كورنيل أجرى الباحثون تجربة في ملعب البولينغ و بالتحديد رد فعل اللاعبين بعد رصد نتيجة مثالية و بعيينة من ٢٠٠٠ شخص أشارت الملاحظات أن ٤٪ فقط من اللاعبين قد ابتسموا بسعادة دون أن ينظروا إلى ردود فعل مجموعة أصدقاءهم أو الناس المحيطين بهم)، أي أن إعجاب الآخرين هو ما حدد مشاعر إعجابهم بأنفسهم.

النتائج منطقية حين ننظر إلى تعلق الناس بإعجابات وسائل التواصل و الرغبة المستميتة بإظهار إنجازاتنا،

جمالنا، ثقافتنا، مهاراتنا، هواياتنا .. إلخ


لأننا كبشر نسعى إلي إثبات ذواتنا و تحقيق وجودنا بين الآخرين، و لأننا متعطشون لجرعة الدوبامين الهائلة التي تمدنا بها وسائل التواصل.


هذا الحِمل الثقيل قد شكل جداراً عتيداً بيننا و بين سلامة صحتنا النفسية، كثر الاكتئاب و أنتشر الرهاب الاجتماعي، و أصبح هناك خلل كبير في الرضى عن الذات.

مهما أنجزنا هناك من أنجز أكثر فنسعى إلى الكمال، لنصنع إنجاز أكبر.. فلِنَضَع صُورة أخرى و نُزينها بمُرشح (فلتر) .. لنذهب إلى مطعم أغلى ..و نستعرض كل ما يثير الحسد و الإعجاب حتى و إن كان كذبة، حتى و إن شعرنا بالفراغ وإستصغار النفس من كذِبنا، لنطمح للمزيد و لنكسر القواعد و نعيش على حافة الخطر

#الحياةـمرةـواحدة ، لكننا في الواقع لا نعيشها.


يقول مارك زوكيربرغ مؤسس الفيسبوك في حديث له (أنه قد قام بالعديد من البرامج حتى اخترع الفيسبوك كما أن الكاتبة جي. كي. رولينغ تم رفض كتابها اثنى عشر مرة حتى نشرت هاري بوتر و أصبحت أغنى كاتبة في العالم.. حتى بيونسي قد قدمت العديد من الأغاني قبل أن تصل إلى أغنية هييلو)


أن أعظم النجاحات تأتي من إعطائك نفسك الحرية للفشل! -مارك زوكيربيرغ


ينسى البليونير المرفه و المنفصل عن شوارع الحياة و أزِقتِها أن تلك الحرية تأتي من الأمان و الطمأنينة المطلقة و ليست من الشغف، تلك عجلة الرأسمالية التي تغذي كل قصص النجاح. فلو فشل مشروع الفيسبوك كان زوكيربرغ في أسوء احتمال سيعود إلى جامعة هارفرد و يكمل دراسته و جي. كي. كانت ستعيش في شقتها الدافئة كربة منزل محاطة بأبنائها و أحباءها!! ماذا عن بيونسي! بكل الدعم الذي تحصده من عائلتها و الوسط الفني

ستكون بخير حتى دون أن تغني (هييلو).


أما نحن البشر العاديون لا نملك الحرية لأن نقامر بحياتنا لتشغيل عجلة الرأسمالية الطاحنة التي صممت ليزداد الثري ثراء و تضمحل الطبقة المتوسطة وتُدفع إلى الطبقة الكادحة العاملة التي تسعى و تحاول ألف مرة برضى تام و قناعة يغلفها الأمل كما يقول لنا زوكيربرغ و أمثالة أن نفعل.


لأننا حين نفشل قد نخسر منازلنا.. نقع في دوامة الديون.. نخسر وظائفنا و مدخراتنا.. و في الحالات السيئة نخسر دعم الأحباب و ينفض الناس من حولنا في سعينا لبلوغ القمة كما فعلوا.


نحن لا نملك حرية الفشل لكي نقيس النجاح بمنظار الآخرين. -زهراء زهير

ما نملكه في الواقع هو الرضى بذاتنا و تعريف نجاحنا و إنجازاتنا كما تقتضي ظروفنا المحيطة بنا، حتى سعينا يجب أن نُعرِفه كما يتناسب مع محيطنا!


بلغة أبسط كل من يسعى للتطور و يتغير هو ناجح بكفاحه و جمال رحلته الداخلية حتى و إن انسحب و استسلم ثم عاد لينهض و يسعى في طريق آخر، لا يحتاج أن يستعرض نجاحة في وسائل التواصل لأنه حينها يُعَرِضُ قيمة نجاحة لتقييم الأخرين، رأي الأخرين ليس مطلق ولا يعرف ما تغلب علية ذلك الإنسان قد يكون ناجياً من براثين المرض لكنه لم ينشئ عائلة أو يؤسس شركته الخاصة، و ربما أنشأ تلك الشركة و تكالبت علية الظروف ليبدأ من جديد.


و لا أعني بكلامي انتقاد استخدام وسائل التواصل في سياق تطويري متوازن فهي أصبحت جزء جوهرياً في ممارسات الأنسان و تعاملاته المجتمعية و المهنية.

انما أعني الحذر من إتباع خطوات المرفهين الشغوفين الذين أُمسِكَت أيديهم، و رُسِمت لهم الخرائط المفصلة و ذلُلِت لهم القوانين و المِنح و التمكين و الأمان التام لاكتشاف ذواتهم، ثم فُرِشت لهم السجادة الحمراء المخملية وصولاً إلى ما يسمونه النجاح.

علينا أن نعي و ندرس كل خطواتنا و نفهم تبعاتها قبل أن نلوم أنفسنا على ما لم ننجزه بقياس ما نتمناه، قد لا ينقصنا الشغف ولا الكفاح الدؤوب، يجب أن لا نقسو على أنفسنا بميزان الأخرين.

وعلينا أن نتذكر دوماً أن حرية الفشل للبعض، هو فشل لبلوغ الحرية. -زهراء زهير



Zahra Zuhair

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

رائع جدا ماشاء الله مقال ثري يدور حول فكرة وركيزة مهمة لمن أراد النجاح لابد له أن يؤمن أنه ربما يسقط ويكون مستعد لخطة بديلة أو حل وأن لا يقارن نفسه إلا بنفسه
سلمت يمينك
استمري

إقرأ المزيد من تدوينات Zahra Zuhair

تدوينات ذات صلة