نَتغير أم نُغير...أيهما اسهل..؟ ايهما تُخبرك ذاتك انه الأهمُ لوقتك وقيمةُ وجودك..؟!
اتناولُ قهوتي الخالية من السُكر في المقهى الذي اعتدتُ الذهاب اليه يومياً قبل الذهاب الى العمل, انتظر ُصديقتي التي كانت تحتجز نَفسها رَهينة الإكتئاب خلال الاسبوعين الماضيين, ولازلت لا أعلمُ السبب!
وها هي الآن قد اعلنت حُريتها من سجن العُزلة وهي في طريقها الي...
أتأملُ المكان من حولي.. تراني الفتاة الوحيدة التي تجلس بمفردها, فجميع الطاولات في المكان مُحتجزة من قبل العشاق هنا وهناك....وانا الفتاة الوحيدة التي تأتي كل يوم تجلس لتقرأ رواية او تكتب واحدة, أو تستمع لِمُشكلاتِ إحدى صديقاتها من فريق العشاق...وكأنني اقف على الشاطئ الآخر مُعلنة حالة السلام التي اكتسبتها بفعل الوحدة, بعيداً عن المشاكل والحياة العاطفية بجانبيها.
أتت سلمى بعد ان جعلتني انتظرها نصف الساعة كالمُعتاد...جلست وهي تُحاولُ إلتقاط انفاسها, مُهدئةً حماستها...اخبرتني انها سعيدة للغاية فلقد وافق خطيبها على طلبها بعد ان كانت فقدت الأمل, وأعلنت تهديد الإنفصال في أخر محادثاتهم.
فلقد كانت سلمى تحاولُ اقناع خطيبها بأن يُكمل تعليمه حتى يرتقي بالسلم الاجتماعي الخاص بها, وان يعمل بوظيفة محترمة على حد قولها يجني منها المال الكافي لحجز رحلة سفر ٍ الى تركيا في نهاية السنة وقضاء الصيف بين العقبة والبحر الميت, كما ان والدها سوف يحترمه أكثر ويتوقف عن مماطلته لخطوبتهما.
كُنت ارتشف قهوتي وانا اهز برأسي.... ولا اجد في موسوعتي غير كلمتي, رائع, جميل, هذا جيد...وبعد ان ضاقت سلمي مني ذرعاً...اخبرتني ان أُعرب عما ييدورُ خلف كلماتي هذه ولما لست مُتحمسةً مثلها...
أنا: هذا جيد, ولكن قبل الخطبة الم يكن خطيبك غير متعلم..؟
سلمى: نعم...!
انا: اذا لماذا فجأة اصبح تعليمه مهماً لكي هكذا, وكان سوف يكون سبباً لقطع علاقتك به...؟!
سلمى: ماذا بك..! المرأة التي تُحبُ الرجل بحق هي من تضعه على الطريق الصحيح, وتحثه على التقدم في حياته....عزيزتي " وراء كل رجلٍ عظيم امرأة "...علي الذهاب فهو ينتظرني اراك لاحقاً....غادرت سلمى مأخوذةً بحماسها الذي يقبع خلف حياة خيالية بُنيت على قرار خطيبها بإكمال تعليمه, تاركه خلفها فتاة غاضبة ...
لماذا على المرأة ان تهتم بتغيير الرجل هكذا, مستقبله, وضعه على الطريق الصحيح, تقويمه...؟!
لماذا ترى المرأة من نفسها قيمة لا تستحق العناء والتفكير وتصبُ كل طاقتها في محاولة لتشكيل مستقبلٍ آخر, ماذا لو فكرت سلمى بإكمال تعليمها هي ربما تحصلُ على درجة الماجستير, لماذا كانت سعاد سعيدة للغاية الأسبوع الماضي لأنها خُطبت لطبيب قلب, وكان الفخر يعلوها وهي تزف البطاقات لنا في العمل مُكررة لوظيفته في كل مرة تسألها فتاه عنه, ولكنه هو الطبيب, لستي انتي...!
كيف للمرأة ان تتفاخر بظل رَجلٍ ما, زوجها ,شقيقها, والدها...ولا تَسعى لأن تتفاخر بنفسها, و تصب جُل اهتمامها على نجاحها ونفسها وتطويرها, فهي تُكرس حياتها لزوجها واطفالها كما لو انها انسان لا يملك قيمة حقيقية تستحق ان تُستثمر في الوجود, وان وجودها محصور في رجل او اطفال لتربيهم...!
لماذا وراء كل رجلٍ عظيم امرأة وليس العكس, لماذا يُدرك الرجال مدى اهميتهم ويشعرون بقيمتهم التي تحثهم على التقدم اولاً ثم النظر للجانب الآخر من الحياة ( الزوجة والأولاد), في حين المرأة تُربى على ان قيمتها في خاتم الخطوبة او الزواج او ظل الرجل....!
كيف لمرأة لم تُكمل تعليمها ان تبحث عن رجلٍ مُتعلم لتتباهي بما لم تُنجزه من خلال شخصٍ آخر...؟!
وكيف لفتاةٍ ان تُربي الأطفال حتى يُكمل زوجها تعليمه او يُطور من مستواه الوظيفي....اين وجود المرأة..؟!
في اليوم السابق في العمل وفي وقت استراحة الغداء دار بيننا انا وصديقتي حديثٌ عن سلمى, فلقد كانت مُعجبةً بتصرفها مع خطيبها, في حين كُنت أتساءلُ لماذا على الشريك واعني بذلك الطرفين الرجل والمرأة ان يُغيروا بعضهم....!
اخبرتني زميلتي ان عليهم ان يفعلوا ذلك بفعل الحب, عليهم ان يغيروا بعضهم نحو الأفضل...! ولم تترك كلماتي اي أثرٍ يُذكر في مُعتقداتها, بل بدت كلماتي غريبة عن قاموسها الشرقي بشكلٍ خاص وعن قاموسها الأنثوي بشكلٍ عام....
حيثُ اخبرتها انني لا افهم كيف لرجلٍ ان يُحب فتاة ويتغزل بشعرها واطلالتها طوال فترة تعارفهما وحين يُقدمها لأُمه, يشترطُ عَليها ان ترتدي الحجاب وتُغير طريقة ارتداء ملابسها...ولمرأة احبت رجلاً ما غير متعلم, وفيما بعد يصبح التعليم احد مقومات استمرارهم, ولرجلٍ احب امرأة تَعمل.. ان يُصبح عملها عقبة في طريقها لأن تصبح زوجة, .!
ورجل مدخن ان تصبح سيجارته سببٍ لعدم جلوس خطيبته معه..!
لماذا نحب أحداً ثم نهم بتغيير كل ما احببناه فيه ونحوله لشخصٍ يحمل مواصفاتٍ مألوفة لدينا, كيف لنا ان نحب شخص مختلف وبعد ان نرتبط به نسعى لتحويله لشخصٍ يُشبهنا في كل تفاصيله وتحركاته....؟!
هل نفرض تغيراً معيناً على شركاءنا نُريد ان نغيره في أنفسنا ولكننا لا نستطيع فعل ذلك, فيصبح عزائنا برؤيته في غيرنا...؟؟؟!
هل نخاف من الشخص الآخر لما يحمل من صفاتٍ مختلفة, تستفزُ شعورنا بالآمان فنحولهُ لشيءٍ مألوف..؟
هل حقاً نظن اننا بإمكاننا زرع بِذرة تغييرٍ في شخص ما بفعل الحُب.., ؟!
ام ان التغيير قرار شخصي ينبع من قناعةٍ ما..؟!
ام حقاً اننا لا نُدركُ ان الحياة قصير ة في ان نقضيها في محاولاتنا بتغير هذا وذاك بدل تغيير انفسنا, وان نحب شريكاً اكثر من ان نحب انفسنا, وان نرى الوقت ثمينٌ نقضيه بإضاعته من أرصدتنا وصرفه في بناء رصيد شخصٍ آخر...؟!!
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
شكرا خديجة, بالطبع التغيير قرار شخص فردي نابع من قناعة او منظور جديد ليس من فكر الشريك وحسب رؤيته الخاصة
كلام سليم، تقبل عيوب الشريك قبل مميزاته امر في غاية الأهمية وليس من حق الآخر محاولة تغيير ماهو عليه.