تختلف الاعترافات بين الناس، مثل ذاك الذي يسكبها في قلبه خجِلاً: أُحبّك يا فُلان، يظن أنّ البوح سيُنقِص من قيمته

هذا ما تجرّعناه من الروايات الرومانسية الحزينة: في حال اعترفت للحبيب بحقيقة ما ينمو داخل قلبِك "تجاهله وصدّ عنك صُدودا"، ربمّا البشر أنانيين، بل نحمل هذه الصفة بدرجات متفاوتة قد تصل بنا حدّ القسوة أو اتهام من يكشِف عن حبّه بالضعف وانعدام الكرامة، فكيف نتجرّأ على الانتقاص من قيمة هاته الشُعلة المُقدّسة.

قد يُفلتك الآخرون تِباعاً حينما تمرّ بأزمات أو صِعاب، فنحن بزمن لا الفرح ولا القرح يجمعنا بل كل المعاني تُفرّقنا، فقط لو نتأمّل قول الله تعالى: "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا" ﴿48الطور﴾ إنّها ببساطة تحمل من الحب ما يعجز عن وصفه اللسان وسائِر الجوارح لو اجتمعت، كيف لنا أن نتوسّل اهتماماً والله سبحانه وتعالى يرعانا بعظمته، يربِت على قلوبنا بآيات الصبر فمن خلقنا لن ينسانا برحمته وعطفه.لو نتساءل عن السبب الذي يدفعنا للخجل من التعبير عن مشاعرنا، ببساطة الخوف من الرفض، نعم هو المطرقة التي تكسر الأفئدة، الفزع من اللاشيء هو الذي يُزعزِع ثقتنا بأنفسنا، قد يجعلنا منطويين نهاب الاجتماع بالناس، نعم حُبُّنا المُفرط للناس يُعطيهم المجال لجُرحنا، لو نُقلّل إدماننا لهم، بالنهاية نيل رِضاهم غاية لا تُدرك،

لو نستجمع ذاك الحب، نتوجّه ناحية القِبلة وفي سجدة طويلة نعترف لخالق الكون بحُبِّنا له سواء سرًّا أو جهراً، سيشدو بها القلب دون خجل أو خوف من الصّد لأنّ من يُدبّر أمرنا ليل نهار يعلم بما يجول بأعماقنا حتى لو غلب علينا الصمت، حُبّنا لله دلالة على إيماننا به كما في قوله: "وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ" ﴿165البقرة﴾اللهم إنِّي أُحبُّك أقولها بأعلى صوت، فحبُّك يُنير ظلمة قلبي، يُحرّرنِ من الخوف، يقوينِ حين الضُعف يؤنسنِ حين الاشتياق،اللهم أعترف لك كي تزداد ثقتي، أُحبّك وأتمنى أن تُحبّني فأسمو وأرتقِ.

قصص الحب الفاشلة: لماذا يا ترَ وُصِفت هكذا؟ لأنّها قصص وفقط لا مكان للحب فيها، قد تتخلّلها مصلحة ما، أو إعجاب عابر، أو لحظة فراغ امتلأت بشخص أصبح فيما بعد مُجرّد ماضٍ ترك أثراً يُشبه الوجع.

حينما يكسرك إنسان مثلك تلجأ إلى الله ليجبرك، تكتشف بأنّ ما أسميته حُبًّا كان في أوله بُستان ورود غرقت في رحيقها، لكنّك ما ظننت أنّ أشواكها ستنخرك حينما تصل للأعماق، كل الوعود كاذبة حينما تقوم على الكلمات فقط، ما أجمل الأقوال وما أصعب الأفعال، فكن حذراً من حُبّ يُصبِّحُك بوعود اللقاء ويُمسِّيك بخيبات اللاوفاء، وأكبر كذبة حفظناها: وما الحبُّ إلاّ للحبيب الأوّل، الحقيقة لا أوّلٍ ولا ثانٍ ولا عاشِرٍ، إنّما الحُّبُّ لله ولمن يختاره لنا الله والباقي كلام يُسكِر بحلوه ويقتل بمرور الدهر على صِدقه.


ببساطة إن كنت تُريد الطمأنينة فأحِبّ من حولك دون أن تنتظر منهم ذات الشيء، اعتبر ذاك إحساناً أو خيراً، فإن بادلوك ذات المشاعر فاحمد الله وإن لم يُبادلوك لا تُعاتب فما يأتِ بعد العتاب في يومنا هذا يُسمّى بالهجر الكاسر للقلب، والحب ها هنا لا يعني امرأة ورجل فهذا التحديد يظلم قداسته بل يشمل كل أنواع العلاقات بالحياة... ألبِس حُبّك ثوب الإحسان حتى يستمر وإن انقطع ظلّت الذكرى الجميلة تُزيِّنه اجعل حبّك في الله ولأجل طاعته، ونيل حُبّه ورضاه كما في قوله تعالى: "إنّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ" ﴿13المائدة﴾.

"إنِّي أُحبُّك يا الله" تزيد من تحمُّلك لمسؤولية أفعالك وأقوالك، لأنّك قبل أن تهتم بما تبدو عليه من الخارج ستهتم بما يبدو عليه قلبك من الداخل، الله ينظر إلى أفئدتنا وليس إلى جمال أجسادنا: "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ" _متفق عليه_ فلنجعل اعترافنا لله صادقًا بعدها سيكون كل شيء على ما يُرام.


لا أدري لماذا ننظر إلي الحبّ كسلعة بدل إبصاره كقيمة، فلان يُحبّني إذًا قررت أن أُحبّه أنا أيضا، ثم نكتشف أنّنا قد استعملنا الحب كمصطلحٍ جاف لا حياة فيه، الحب يحمل من العدل والإحسان والطاعة والخير والصلاح الكثير، متى ما جعلناه قِناعًا نُمارس به الفساد والمعصية تحوّل إلى سرطان يفتك بنا لكن سينقلِب بمعانيه الجميلة إلى دواءٍ شافٍ، فقداسته قد بلغت عنان السماء بالدعاء والتوسُّل إلى الله بأن يجعلنا حاملين لرسائل الحب التي تزيد العالم بهاءً، وقبل كل شيء تزيد من نقاء أعماقنا فنكون عباد الله الصالحين وهو الذي قال: "فإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" (آل عمران/ 76).

الحب لله وفي الله نعمة لن نُدركها ما دُمنا نستغله لمصالح دنيوية آنية، سيحرقنا وهجه الكاذب، سينخر فينا جروحاً نتجرّع آلامها مدى الحياة، رفقاً بقلوبكم فما من أحد سيسأل عن حالها... الذين غادروا قُلوبنا أشخاص مثلنا تماماً مليؤون بالثقوب والحب الذي يدخل يميناً يخرج يساراً، لأنّنا نعتمد على بشر بذات ضُعفنا كي يُرمِّموا ثقوباً أحدثها بشرٌ مثلهم، فقط لو نلجأ إلى الله الذي سيجعل أروِقة وجدران قُلوبنا كيوم وُلِدنا مليئة بالحب والسلام، فالحياة قصيرة جداً جداً مهما طال العمر، ما أوحشها حينما نعيشها دون حب...

اللهم أرزقنا حُبّك وحُبّ من يُحبُّك وحُبّ كل عمل يُقربنا إلى حُبِّك.





إقرأ المزيد من تدوينات ليندة طرودي

تدوينات ذات صلة