يبدو هذا المجتمع مستميتًا للظهور بمظهر مثالي أكثر من استماتته أن يكون مثاليًا
كنت أجلس متعبة في ذلك الباص المتهالك، حين بدأت امرأة بالصراخ عبر الهاتف، ثم تابعت بسخط شرح قضيتها، والدعاء على "أخيها المصاب بالسرطان" بالموت ليترك زوجته وأبناؤه وحيدين، ثم تهدد بأنها سترمي تلك الطفلة “ التي فهمت من سياق الحديث أنها ابنة أخيها” عن الدرج لأنها ابنة لأبوين "نصابين"، ثم تابعت بأنها نادمة على اختيار هذه المرأة الحقودة لأخيها، ثم تابعت تواسي نفسها بأنه مثلها على أي حال!
كان الجالسون في حالة من الصدمة، في بادئ الأمر على الأقل، لكن تلك الصدمة تحولت لمزاح تافه بين الشباب في الكرسي الخلفي، وبدو وكأنهم طرف ثالث في تلك المكالمة!
- اووووف مشكلة ان كانت هي من اختارتها
-واااو سترمي الطفلة ايضًا
مع المزيد من التعليقات التي ألقوها بصوت مرتفع والتي أظن أنهم اعتقدوا بأنها خفيفة الظل أيضًا، وستقتلك من الضحك!
لم تبد المرأة متضايقة منهم، ففي كل مرة كانت تتحدث مؤكدة معلومة أو موضحة أكثر وكأنها ترحب بكونهم طرفًا ثالثًا! في نهاية تلك الحرب انتهى بنا الحال لنعرف بأن تلك السيدة عائدة من زيارة أخيها في المشفى، لكن أحدًا لم يخبرها أنه قد غادر قبل وصولها، وفي هذا اهانة لها، وتقليل منها، والقليل من تضارب السلطات بينها وبين زوجة أخيها التي تريد السيطرة على كل شيء.
لم تكن هذه الدراما الوحيدة التي شهدتها في المواصلات العامة، ففي مرة أخرى قام رجل بإغلاق الشباك مسرعًا مما سبب بكدمة على يد الطفل في الكرسي الخلفي، لتصرخ تلك الأم بوابل من السباب واللعنات، بدأ الرجل بالاعتذار لأنه لم يقصد، ثم تحول الأسف لغضب وبدأ يتهمها والنساء عمومًا بأنهن يدّعين حب أبنائهن، ففي المنزل يضربون أولئك الأبناء ويسبونهم ويقضون اليوم بطوله بعيدًا عنهم، ثم تأتي الآن لتتصرف كأم حنون منافقة!
في كل مرة أرى مثل هذه الحكايا وهي ليست نادرة، أتذكر جملة واحدة لطالما رددها المجتمع “ هذا لا يمثل مجتمعنا”، في كل مرة يظهر فيلم أو تتحدث فتاة أو يشكو رجل نخبره بأنه كاذب وبأن كل هذا غريب على مجتمعنا، ونرسم صورة مباركة لنا، نصدق بأنها نحن! لم أشاهد أيا من الدراما المحلية التي أثارت الجدل، ولكنني رأيت الجدل، سطور طويلة من وصف ما هو “ ليس نحن”، ليبدو كل شيء غريبًا علينا، فأتذكر “حاضر حكذب عيني وأصدقك”
أؤمن أننا لسنا بذلك السوء فتلك المرأة التي بدت قاسية القلب بدعائها لم تمض دقائق حتى انهارت بالبكاء، وأصحاب النكات السامجة خلفي أوقفوا تلك النكات على الفور! وساد حزن وتعاطف في المكان! لذلك أقول لسنا بذلك السوء ولسنا بتلك الملائكية، أبناؤنا ليسو ملائكة ومن الاستحالة أن يفعلوا كذا وكذا، وليسو شياطين لا أمل منهم، والاعتراف بذلك هو الوسيلة الوحيدة لإصلاحنا!
يبدو هذا المجتمع مستميتًا للظهور بمظهر مثالي أكثر من استماتته أن يكون مثاليًا، ويبدو الأهل مستميتون لرؤية أطفالهم يظهرون بمظهر مثالي، أكثر من الاهتمام بأن يكون أولئك الأطفال حقًا جيدون وبخير.
نراكم كل الشرور داخلنا ونخفيها كأسرار أسرية، فنعيش مع تلك الشياطين ونأكل معها وتقاسمنا حياتنا ظانين أننا سالمون من شرها ما دمنا نخفيها جيدًا!
لذلك إذا أردت القيام بعمل يمثلنا ولا يثير الجدل، عليك أن ترسم شخصيات ملائكية، على شخصياتك أن تكون صورة حية من الملائكة والأنبياء، وحتى إذا فعلت ذلك قد يهاجمك أحدهم بتهمة التهكم على المقدسات!
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات