في مجتمعنا بإمكان ورقة أن تهدم أو تؤكد الصورة التي رسمناها عن أنفسنا لمدة 18 عامًا


في مثل هذا الوقت قبل حوالي 6 أعوام، كنت جالسة على اللاب توب الخاص بي، بينما قررت والدتي الخروج لشراء الزينة والحلويات، في حال باغتنا أحدهم وجاء فجأة، في تلك اللحظات مرت كل الأفكار الشيطانية قي رأسي، ماذا لو رسبت، في تلك الفترة كانت مادة "علوم الأرض" غير محتسبة بالمعدل، مما يعني أن علي ضمان النجاح فيها فقط، ولكن هل أنا واثقة من إجاباتي، ماذا عن الرياضيات ماذا لو لم أكن دقيقة بالحسابات، وكحال كل سنين نتائج الثانوية العامة، تعطل الموقع، والجميع ينادي ويسأل، وصوت الاحتفالات حولنا كان قد بدأ ولا زلت عاجزة عن معرفة نتيجتي، أرسلت لي صديقتي لتسألني، فقمت بإعطائها رقم الجلوس الخاص بي، اختفت لثوان ثم عادت تخبرني بأن الموقع قد تعطل ثانية، حدث هذا مع عدة أشخاص، مما جعل الفكرة الأكيدة في رأسي أنني بالـتأكيد قد رسبت بأحد المواد ولا أحد يريد أن يكون الشخص الذي يزف لي خبر رسوبي، عندها خرج الطفل المتوحش من داخلي لأطلب من صديقتي إخباري حتى لو لم أكن قد نجحت بكل المواد.


اليوم وبعد 6 أعوام، وبعد تخرجي من تخصص الهندسة المعمارية، وبعد دخولي قطاع العمل، يمكنني الحكم على الموقف بعقلانية أكثر، يمكنني أن أرى بأن الثانوية العامة هي الصدمة الأولى عادة للمواطن العربي، منها تتحدد نظرتك لذاتك، إذا حققت المطلوب فأنت بالضرورة عبقري ومغرور، ولكن إن فشلت في ذلك، فأنت لست إلا مجرد كاذب فاشل كان يدعي الذكاء طول هذه السنين، بإمكان الجميع من حولك تأكيد هذه النظرية، سواء أكان السبب محبة وحرصًا أم حقدًا وكرهًا، بعد التخرج وبعد العمل أجد نفسي قادرة على القول بأن تلك الورقة كانت كذبة، وليست مهمة بالضرورة لتحديد مصيرك.


لذلك وكشخص مخضرم بالمجال دعني أخبرك بالأشياء التي تحدد مصيرك حقيقة:


1- أنت: أنت الذي تشكلت وتطورت طوال ال18 عشر عامًا، بشخصيتك وثقافتك وفكرك، وأسلوب حياتك، نمط الحياة الناجح والشخصية الناجحة والعقل الواع الذي خلقته لا يلغى فقط لأن ورقة ما لم تؤكده.


في الحقيقة ما في الورقة ليس ضمانًا لنجاحك ومصيرك المستقبلي، لا توجد دراسة تثبت أن الأشخاص من تخصصات معينة أكثر نجاحًا من غيرهم، بإمكانك أن تكون الأفضل أينما درست ومهما درست، لأنك أنت لا زلت أنت، في الحقيقة ومع تطورات العدة أعوام الأخيرة، بإمكاني القول يمكنك فعلها حتى بدون شهادة جامعية.


2- مهاراتك: في الحقيقية حين دخلت الجامعة دخلتها بعقلية طالب مدرسة، كنت حريصة على العلامات والتقدير والحضور، وهذا بألطف العبارات وعلى أقل تقدير " قلة نضج"، لأن بناء المهارات الذي غفلت عنه كان أهم من التقدير الذي حرصت عليه، ولكنني تداركت الموضوع الآن.


بغض النظر عن التخصص أو حتى عدم دخول الجامعة هذه بعض المهارات التي عليك محاولة تعلمها على أي حال:


1- لغة ثانية: أرجح لك الإنجليزية إن لم تكن متقنَا لها، وتأكد بأن تعلم لغة ثالثة أو رابعة لن يكون أبدًا مضيعة للوقت، هناك العديد من التطبيقات والوسائل لتعلمها:

1- Z american english

2- TED

3- نتفليكس: نعم قرأتها بشكل صحيح، بإمكان خاصية تغيير لغة المتحدث ولغة الترجمة تعليمك اللغة وقد تكون معلمك الأفضل، أحب هذه الفترة متابعة الستاند أب الكوميدي، ولكنك ستجد العديد من الخيارات التي قد تفضلها فقط بدل إحضار طعامك ومشروبك المفضل، أحضر قلمًا وورقة واستمتع.


2- تعلم مهارة: تصميم، برمجة، كتابة، تصوير، مونتاج....

وكنصيحة من شخص عانى مع التشتيت، بإمكاني إخبارك بثقة ركز على شيء واحد حتى تتقنه تمامًا، تعلم شيئًا واحدًا فقط، اتقان شيء واحد أفضل ألف مرة من معرفة سطحية لكل شيء.


شيء واحد فقط لا تتحمس!


3- اقرأ: أتمنى لو بإمكاني وضع يافطة ضخمة في كل مكان مكتوب عليها عبارة: القراءة ستنقذ حياتك، لقد فعلت على الأقل مع حياتي.

يمكن للقراءة أن تسافر بك لعوالم متعددة، ويمكنها أن تصحح وجهات نظرك، ويمكنها تعليمك ومواساتك وفهمك وتفهيمك وفتح عيونك على عالم لم تتخيل يومًا بأنه موجود، لذلك حاول بناء عادة القراءة إن لم تكن لديك، واقرأ لكل أحد وفي كل مجال.


4- صحتك النفسية: أنا على وعي كامل بأن هذه العبارة تستخدم كنكتة في مجتمعنا "أسد يلاا فيه اايه"، ولكنني رأيت بعيني على مدار ال6 سنوات العديد من الأشخاص ينهارون نفسيًا، لمختلف الأسباب، مع نجاح أو بدون نجاح، بسبب علاقات اجتماعية أو ضغوط مجتمعية، أو أن عقد الطفولة التي تغطت على مدار السنين دون أن تشفى، تعود لتظهر من جديد لتدمر حياتك، لذلك ضع هذا على قائمة أولوياتك.



قبل ست سنوات كنت جالسة في نفس المكان الذي أجلس فيه اليوم، بعد أن أرسلت لي صديقتي النتيجة، أذكر وقتها أنني صرخت لعائلتي بأنني قد نجحت، بمشاعر مختلطة، لم يكن المعدل الذي أريد، ولكنني نجحت أيضًا، أريد أن أشتكي بأنني أستحق أكثر، ولكنني لا أريد إحباط عائلتي المحتفلة، أنظر الآن لتلك الطفلة التي كنتها أتمنى أن أخبرها بأن ما داخل عقلك وما داخل شخصيتك أهم بكثير من 14 رقمًا مصطفة عموديًا تخبرك من أنت!

تقوى يوسف

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

من أجمل ما قرأت والله 🌸✔

إقرأ المزيد من تدوينات تقوى يوسف

تدوينات ذات صلة