بتعرف اشي؟ شايف كل اللي بحبطوك وبحاولوا يثبطوا من عزيمتك؟ انت بنعمة كبيرة انهم بحياتك.. لانه من غيرهم ما رح يكون عندك روح التحدي
لطالما كان وقع كلمة "توجيهي" علينا كوقع الاسد الذي يريد ان يفترس بانيابه الحادة متعتنا وحبنا للحياة ..
ننظر لمرحلة "التوجيهي او الثانوية العامة كشباب عرب على انها من اصعب المراحل التي يمكن ان نمر بها . حيث نراه يستقبلنا ملوحاً لنا من بعيد متبسماً ابتسامة لطيفه ولكننا للاسف لا يكون بوسعنا الا ان نرى هذه الابتسامة على انها ابتسامة ماكرة وخادعة ليفترسنا بانيابة ويسرق منها شبابنا ومتعتنا بالحياة ،تعود تلك النظرة لطريقة التفكير التي تبرمجت ادمغتنا عليها منذ الصغر وكأن المجتمع قد وضع على اعيننا نظارة سوداء نرى بها التوجيهي على انه وحش مرعب لا مفر منه.
هكذا تتربى الاجيال في مجتمعاتنا العربية للأسف، نتربى على الخوف والرعب والتوتر والقلق من مرحلة ينبغي علينا ان نراها كأي مرحلة أخرى من مراحل الحياة تحتاج للتعب وبذل الجهد نعم، ولكن في النهاية "ان لكل مجتهد نصيب" عن نفسي، اعتبر نفسي محظوظة لتربيتي على يد أم وأب رائعين جعلوا هذه المرحلة من افضل مراحل الحياة على الرغم من التعب الذي تخللها.
يسرني أن اسرد لكم قصتي منذ الطفولة لعلها تلهم أحدكم.
في كل مرة يمر شريط ذكرياتي الطفولية، اشعر بأن السعادة تتسلل لأعماق قلبي وروحي لترسم ابتسامة على وجنتي.. اتذكر كم كنت طفلة مدللة، اتذكر طيشي ولعبي في أرجاء الحي مع اصدقائي الذين كانوا من جيلي.. جيل التسعينيات.. اشكر أهلي على الحرية التي منحوها لي لأحلق كالطائر الحر من شارع لشارع .. واسرح والعب في كل بيت كأنه بيتي واكثر.. كانت علاقة اهلي بالجيران علاقة مبنية على المحبة والمودة والاحترام المتبادل .. كنت اشعر بأني ابنة من بناتهم.. حيث كنا نجتمع نحن الفتيات لنسرح ونلعب "الحجلة" و"الغميضة" و"بيت بيوت". لم اترك لعبة لم العبها ولا شيئاً يُرضي فضول طفولتي لم افعله من لعب بالرمل والتزحلق بالماء والصابون وقت تنظيف البيت.. كانت لدي المساحة الكافية للعب حيث كنت كالفراشة الطائرة لا تربطني قيود وسائل التواصل الاجتماعي والتلفاز والالعاب الالكترونية التي باتت تحبس أطفالنا في عالم وهمي يكلبش أعينهم الصغيرة ليطفئ بريقها البريء وليمنعهم من الاستمتاع بطفولتهم.
كان كوكب زمردة على قناة سبيس تون كوكبي المفضل الذي انغمس فيه لمدة قصيرة جداً ثم اعود بعدها لواقعي الممتع .. كانت سبيس تون هي قناة شباب المستقبل .. وها نحن اليوم اصبحنا جيلاً واعياً، ومستقلً ،وناجحاً قادراً على تربية أجيال المستقبل ،كل هذا يعود لطريقة تربيتنا. كم كانت طفولتي جميلة لا رتابة فيها ولا ملل ولو عدت للوراء لكنت عشتها بنفس الطريقة وبنفس مستوى الطيش والمرح.
لأكن صريحة، لم اهتم يوماً لمذاكرتي حيث كانت آخر ما افكر به، امضيت كل سنوات دراستي في مدارس حكومية، كان معدلي لا يتجاوز السبعينات مما اثار القلق لدى أقاربي حيث بدأوا بتحذير اهلي من لامبالاتي.
مرت السنوات ووصلت للصف العاشر.. وفي هذا الصف بالتحديد لا ادرى ماذا حدث بالضبط، كل الذي اعرفه بأنني استيقظت بيوم من الايام ووجدت نفسي بدأت بالنضج، بدأت افكر بمستقبلي.. ماذا سأكون؟ كيف سيكون مستقبلي؟ وأدركت بأنه حان وقت الجد.. بدأت أُولي الدراسة بعض الاهتمام لأتمكن من دخول فرع الادارة المعلوماتية وبالفعل درست وتمكنت من الحصول على معدل 80% مما أهَلَني للدخول في الفرع الذي كنت اميل اليه.
في الاول ثانوي، تمكنت من ان اكون الاولى على صفي للمرة الأولى في تاريخ حياتي بمعدل 93% مما اثار الاستغراب بين زميلاتي ومعلماتي وعائلتي .. اتت مرحلة التوجيهي.. المرحلة الفاصلة. لا اذكر في اي مرة من المرات أبي يلح علي قائلاً "حان وقت دراستك" او "اطفئي جهاز الكمبيوتر وتعالي لتدرسي" .. قمت بتسليم هاتفي النقال وجميع اجهزتي الالكترونية لأمي بإرادتي .. كان وقتي يمر بطريقة منظمة .. كنت انظم بين دراستي وعائلتي والمناسبات الاجتماعية وهواياتي.. لم تمر اي مناسبة اجتماعية دون ان اكون فيها ولو كان لدي امتحان غداً، كنت اذهب للحفلة، احضرها، استمتع بها قدر المستطاع دون التفكير بالامتحان ثم اذهب للمنزل واعوض ساعات الدراسة التي فاتتني من خلال السهر لمدة ساعتين او ثلاثة.. ما احاول قوله هنا هو انه لا يهم عدد ساعات الدراسة، ما يهم فعلاً هو مدى تركيزك في دراستك . دراسة ساعة واحدة بتركيز خير من دراسة يوم بأكمله بتركيز مشتت.. كان اقربائي ينظرون لي باستغراب ويقولون بأنفسهم"كيف يمكنها الاستمتاع والرقص والغناء" وهي في الثانوية العامة وستقدم امتحانها النهائي غدا"ً وكأنني علي ان ادخل في حالة"حداد" فقط لأني توجيهي، كما كان يقول لي البعض "حرام عليكي رح ترسبي كيف طالعة وعندك امتحانات" ولكني لم ابالي بأي كلمة كنت اسمعها.. بنظرهم، كنت الفتاة اللامبالية والتي لا امل منها بالنجاح.. ولكنني كنت آخذ كلامهم على محمل التحدي وكنت بنظر نفسي تلك الفتاة الطموحة والمؤمنة على قدرتها على النجاح بكسر القيود التي فرضتها علينا مفاهيم المجتمع منذ يوم ولادتنا.
كان يوم الامتحان الوزاري يمر بالنسبة لي كأي يوم عادي مع قليل من التوتر المعقول، كان مقعدي هو المقعد الاخير وعلى الرغم من ذلك لم افكر بتاتاً بالغش لأنه من وجهة نظري، ان غششت فاني اغش نفسي .. عندما كنت اخرج من الامتحان كنت اعرف العلامة التي سأحصلها وحسبت معدلي على اساسها.. الان، اشكر الله على اهدائي اهل كأهلي، جعلوا مني تلك الفتاة الواثقة من نفسها وقدراتها، والطموحة ،والمحبة للنجاح.
بفضل الله وبحمده، تم الاعلان عن النتائج وحصلت على معدل 94% واقاربي لغاية الان منصعقون من نتيجتي وبعضهم سألني عن رقم الجلوس ليتأكد من النتيجة.. حين زف أبي خبر نجاحي بالهاتف كانوا يظنونه يقول 64% بدلاً من 94% وانا لم اجد شيئاً بوسعي فعله الا الضحك.
تمكنت من الدخول للتخصص الذي كنت احلم به "اللغتين الاسبانية والانجليزية" في الجامعة التي احببتها وتخرجت بمعدل امتياز وها انا الان اعمل بوظيفة أحبها كمترجمة ومديرة بيانات في المتحف الوطني الاردني للفنون الجميلة.
والان بالاضافة للغات، يتأرجح شغفي بين علم النفس وعالم الوعي والتربية وتطوير الذات.
اللي حاولت اوصللك ياه بهاي السطور .. اذا كنت داخل على هاي المرحلة تأكد وكون واثق بأنه انت او انتي قدها.. شو ما كانت ظروفك انت قدها.. صدقني بمجرد ما تؤمن بنفسك وقدراتك مستحيل يقدر اي انسان يأثر عليك بشكل سلبي.. ما تعيش مرحلة التوجيهي ع انها بُع بُع.. تقبلها واحكي لحالك اوك.. انا هلا توجيهي وحابب اثبت نفسي وجدارتي فيها.. حتلى لو رسبت مرة ومرتين وثلاث مش عيب انك ترسب.. العيب انك ما ترجع تحاول من اول وجديد.. حاول تستمتع بكل لحظة على الرغم من تعبها وتأكد انك رح تنساه بمجرد ما تطلع نتيجتك وتكون جايب المعدل اللي نفسك فيه.. صدقني انا عشت كتير لحظات فرح بحياتي بس زي لحظة النجاح بالتوجيهي مستحيل اعيشها مرة تانية .. بتحس حالك طاير بالسما وخصوصاً لما يكون نجاحك غير متوقع ..بتعرف اشي؟ شايف كل اللي بحبطوك وبحاولوا يثبطوا من عزيمتك؟ انت بنعمة كبيرة انهم بحياتك.. لانه من غيرهم ما رح يكون عندك روح التحدي .. لما تتعب من الدراسة تخيل بس فرحتك وتخيل اهلك لما يكون بعيونهم دموع الفرحة لأنك كنت قد ثقتهم فيك.. التوجيهي مرحلة متعبة ما بنقدر ننكر هاد الاشي ..بس حاول استمتع فيها ..ما تحرم حالك من الطلعات والانبساط بس اهم اشي:
1- نظم وقتك
2- ادرس بتركيز
وبالنهاية اوعى حدا يقنعك بانه اذا رسبت بتكون نهاية الحياة.. لسا قدامك ابواب كتيرة وباب التقديم دايماً مفتوحلك.. ارجع وحاول من جديد.. الله مستحيل يضيع تعبك .. وتذكر مرة تانية "انت قدها"
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات