لو عدنا لمفهوم الخريطة المتعارف عليه نجد أنه ارتبط بعلم الجغرافيا، فهي ذلك الرسم المصغر الذي يوضح كل ماهو موجود على سطح الأرض من ظواهر طبيعية وبشرية.

برع الإنسان منذ القدم برسم الخرائط فكان لديه الحس الجغرافي، وهذا ما كشفته القطع والمواقع الأثرية، كما أن العلماء في جميع التخصصات تمكنوا من ابتكار خرائط متخصصة في العلم الذي أتقنوه وبرعوا به، وإن كانت فكرة خرائطهم هي بالأساس انبثقت من علم الخرائط الجغرافية بأنوعها التي تسهل الفهم على الإنسان وتساعد على سرعة وصول المعلومة.

وفي علم البيداغوجيا ابتكروا طريقة للتدريس من خلال الخرائط الذهنية أو ما يعرف بالخرائط المعرفية أو المفاهيمية، التي تنظم المعلومات والأفكار وتساعد المتعلم على إدراك العلاقات بين المفاهيم، فالخرائط في كل مكان وبأنواع وأشكال متعددة.

ولكن في هذا المقال لا أقصد تلك الخرائط، ولا حتى خريطة كورونا العالمية التي توضح نسبة الاصابات والوفيات بهذا الوباء اللعين، فهناك قناة تلفزيونية خاصة تظهر خريطة العالم وجداول توضح نسب الانتشار في جميع دول العالم كل 24ساعة، بل أقصد الخرائط الحياتية لكل منا، وفكرة رسمها أقرب لفكرة رسم الخرائط الذهنية المفاهيمية باستخدام الرموز والأشكال، ويكون بداية من خلال تحديد الأهداف، ووظيفة هذه الخرائط إدراك العلاقات وتنظيمها ومدى أهمية تلك العلاقات للفرد، وإجراء المقارنات بين ماكان، وماهو عليه الآن.

لا أحد يستطيع أن ينكر أو يكابر بأنه بدأ بوضع مخطط أو خريطة خاصة بحياته خلال فترة الوباء ولما بعدها أيضا، فالمكابرة هي آفة النفس كما يقول المتصوفون. فقد اكتشفنا أن خرائطنا السابقة لم تعد صالحة لهذا الزمان، إذ نحتاج لخرائط تواكب الواقع الذي نعيشه، للأسف هي خرائط مؤلمة موجعة تحتاج لجهد كبير لإقناع العقل بها، ولكن لابد من رسمها، وهي التحدي الحقيقي لذواتنا.

يحاول العديد من الناس تجاهل ما يدور حوله من تغيرات في شتى المجالات، بل أن بعضهم لفترة ليست ببعيدة أنكر وجود وباء كورونا واعتبره مؤامرة!! حتى ازدادات أعداد الإصابات والوفيات، لانلوم البشر على إنكارهم ورفضهم لفكرة وجود الوباء، لأن رسم الخرائط الحياتية الجديدة يحتاج إلى عزيمة وإرادة صلبة بل وتغيير في شخصيتنا ونفسيتنا وذلك ليس بالشيء الهين، فقد تعرضنا لهزة سريعة لم نستوعب ما حدث، حتى أنها خطفت من بيننا أشخاصا عزيزين علينا.

لن تقف الحياة أمام رفضنا لتقبله، لذا علينا اعتناق كل مايدور حولنا والتفكير بعمق مع الإنغماس بالقيم التي سترشدنا وإلا سنجد أنفسنا خارج إطار العالم.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات سهير الخواجة Suhair Al khwaja

تدوينات ذات صلة