سوف اخبركم بقصتي عن كيف تحول طموحي من ان اكون باحثا في ناسا الى طالب يدرس في كلية الفنون

بدأت قصتي مع حب العلوم بشكل عام وعلوم الفلك تحديدًا عندما كنت صغيرًا، في الصف الثاني حسبما اذكر.. شاهدت عدة افلامٍ وثائقية عن الفلك على التلفاز واليوتيوب وأبهرني هذا المجال جدًا، إن فكرة دراسة الأجرام السماوية من نجوم ومجرات وكواكب وفهم تراكيبها فكرة عظيمة، والجميل كان دعم أهلي لهذا الحب فبعد فترة اهدتني اختي تلسكوب، وأحضر لي اخوتي بعض الكتب لأتعمق اكثر بدراسة وفهم هذا المجال. أذكُر كيفَ كنت آخذ منظاري إلى سطح بيتنا وانظرُ من خلالهِ مُراقِبًا النجوم بالساعات، كنت احفظها كلها وكل تراكيبها.


وبينما أنا أكبر كان حلمي وحبي يكبُران معي، اصبحت احلم بالعمل في وكالة الفضاء الامريكية ناسا، اردتُ أن أكونَ باحثًا يمضي وقته في دراسة النجوم، حتى أن اختي - التي تدرس الإخراج - صورت عنّي فيلمًا بعنوان "بدي ألقي كلمة بناسا" أتحدث فيه عن شغفي في العلوم وحلمي الكبير في مجتمعنا غير الداعم لهذا الطموح، كان الهدف الرئيسي من الفيلم هو إيصال فكرة أهمية دعم طموح الصغار مهما كان جنونيا، شاركتْ اختي بالفيلم في عدة مهرجانات دولية ووصل إلى مراكز متقدمة، لكنّهُ لم يُنشر بعد، أظنهُ سينشر قريبًا.


في نفس هذه الفترة تعرفت على علم التصوير عندما التقطتُ أول صورة باستخدام هاتفي النقال، وقمتُ بنشرها على موقع الفيسبوك، لقد نالت إعجابَ اصدقائي، كنتُ حقًا سعيدًا بردة الفعل الإيجابية هذهِ، مما دفعني لتعلم المزيد عن التصوير حتى أنَّني اقتنيتُ كاميرا احترافية.


من حلم ناسا إلى الفن67751234395138330


ذهبتُ لأول مرة في حياتي إلى الصحراء في رحلة نظمتها الجمعية االفلكية الاردنية لمشاهدة النجوم بوضوح اكثر، لقد ابهرني منظرها الساحر فبدأت حينها بتعلم التصوير الفلكي وكنت في كل مرة اتعلم مهارة أو تقنية جديدة في التصوير الفلكي اذهب ولأطبقها في الصحراء حتى صرت افضل بكثير وألتقطتُ عدة صور، انا فخورٌ بِها فعلًا.


من حلم ناسا إلى الفن90236875399689010


كانَ التصوير الفلكي بالنسبةِ لي يجمعُ بين أمرين؛ شغفي بِعلم الفلك وحبي للتصوير، مما دفعَني للتعمق في تعلم مهارات التصميم ومنها إلى صناعة الأفلامِ والأنميشن. وشعرتُ عندها أن حُلمي قد تغير وأصبحتُ أميلُ إلى الفن اكثر، بدأتُ بِتعلم مهارات التصميم الجرافيكي بجدية اكثر، ولكن عندما حان الوقت لإختيار تخصصي الجامعي تغيرت الوجهة مرة أخرى ونصحني أهلي ومن هم حولي بأنهُ عليّ أن أختار تخصصًا غير الفن، تخصص ذو مكانة اجتماعية أكبر .. "بجبلك فلوس اكثر وبطعمي خبز" ..


كنت وقتها مهتم بالتكنولوجيا واحبُ بناء الاشياء من الصفر، فاخترت دراسة هندسة الحاسوب. الذي للأسف لم یكن اختيارًا موفقًا, فمنذ بداية الدراسة أصابتني حالة حزن مُستمرة, لم اتقبل المواد التي يطرحُها هذا التخصص، ولم أرغب في دراستها, فاكتشفت عندها أنّ اهتمامي بالتكنولوجيا كان اهتمامًا سطحيا ليسَ إلا..، وقررتُ أنني لن أُسجل للفصل الصيفي، وأنهُ يتوجّبُ عليّ أن اعطي نفسي فرصةً أخرى في هذا التخصص، بدأتُ بدراسة المواد من جديد وتعلم البرمجة، لكن لم يمضِ الاسبوع الثاني على بداية السنة الثانية حتى تيقنت أنّني لستُ بالمكان الصحيح، هذا ليسَ مكاني، الهندسة لم تكن شغفي، فاخترت أن أحول إلى كليةِ الفنون لدراسة تخصص التصميم و التواصل البصري.


كنتُ أعلم أنّ هذا التخصص يُدرَّسُ في جامِعتنا، لكنني لم أحاول الإطلاع على خطته الدراسية أو حتى القيامِ بالتعرفِ على طبيعة المواد فيه، وعندما فعلت، تفاجأت بأنّني أُحب أغلب موادهِ وَشغوفٌ بِها. فتوجهتُ مُسرعًا إلى كلية الفنون - التي لا اعرف ايًّا من طلابها - وأخذتُ أسأل طلاب التخصص عن المواد، طريقة التدريس، مجالات العمل بعد التخرج والفرص في السوق. ثم عقدت العزم و اخبرتُ أهلي أنّني قررت تركَ الهندسة، واخترتُ كليّة الفنون، كانوا من الداعمين واحترموا قراري. لا أُخفيكم، كنتُ مترددًّا في البداية، لقد فكرتُ بالوقت الذي بذلته والمال الذي خسرته في الهندسة، إلّا أن حبي وَمعرفتي السابقة بمواد التصميم كانا اكبر من التردد، واتخذت الخطوة أخيرًا، والآن أراني في مكاني الصحيح، فأنا احبُ العلوم التي ادرسها واتابع محاضراتي بعقلي وقلبي رغمَ الضغط الكبير الذي تفرضه الكلية بسبب عدد المشاريع المطلوب انجازها.


علمتني تجربتي هذهِ أن لا أخطط للبعيدٍ كثيرًا وأن اعطي لنفسي وقتها.. أنا اليوم اعيشُ كُلّ يومٍ بيومهِ افعلُ ما يتوجّبُ عليّ فعله وأُحاول أن أصبح أفضل فيما اتعلم. انا سعيدٌ جدًا، و أظنُ أن قرار التحويل إلى الفن هو أفضلُ قرارٍ اتخذتهُ في حياتي، لست متأكدًا ماذا سأفعل بعدَ التخرُجِ، لكنني متأكدٌ أنّني أُفضِلُ أن اكونَ فنانًا على أن أكونَ عالِمًا.


وأخيرًا أودُ أن أقولَ لِكُلِ شخصٍ يقرأُ قصتي هذهِ، أنّهُ ليس من الصوابِ أن تبقى عالِقًا في أيِّ مكان لا تجدُ السعادةَ فيه، مهما كانت مكانته الإجتماعية عالية، فالأهم هو أن تجِد نفسك فيما تفعل, ومن واجب الأهل كذلك توجيه أبنائهم وتقديم النصح لهم، لكن دون إلزامهم بطريقٍ محدد وتقييدهم بفكرٍ مُعيّن..، لأن هذا المسار أطولُ من مجردِ سنوات دِراسيّة، هذا المسار الذي اخترتهُ سيلازمكَ إلى الأبد.. فابحث عن سعادتك فيما تفعل.


خالد اللوزي, 21 سنة, طالب تصميم و تواصل بصري سعيد.






ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

ربنا يوفقك استمر

إقرأ المزيد من تدوينات شباب مُلهم

تدوينات ذات صلة