أنا أوس زامل، طالب في قسم الهندسة الصناعية وقائد لفريق تطوعي مكون من 70 طالب في الجامعة الهاشمية، كيف؟ دعوني أخبركم.
أدركتُ مُبكراً أن ما يحرك الإنسان أمرين اثنين: الخَوف والشغف، وكل منا يَملك مزيجاً من الإثنين وبِنسَب مُختلفة. أدركت أنّ الشغف كان طاغياً على خوفي وهو ما يُحركني؛ فكُنتُ دائما ما أبحث عن القيمة والمعنى في كل ما أفعل تاركاً لشغفي بالتعلم و العمل المساحة ليرتقي بي. وكُنتُ مُدركاً بأن الحدود هي أكثر ما يزعجني، فكُنتُ اترك أي تجربة تَحُد من فُرصة التطور أو النمو الشخصيّ.
ذات يَوم، حَضرت نَدوة يُنظمها الفرع الطلابيّ لمنظمة IEEE في الجامعة الهاشميّة ليَتحدثوا فيها عن أنها مُنظمة عالميّة تَتَمَحور رؤيَتها حَول تَطوير التكنولوجيا لخدمة البشريّة "Advancing Technology for Humanity". لفت انتباهي أنهم جميعاً يَعملون تحت رؤية عالمية مُوَحدة غير مُتحيزة تدمج بين تَطوير التِكنولوجيا وخِدمة البشريّة؛ فقررت تجربة الإنضمام للفرع المُكون من ما يزيد عن 70 شخص يَهدفون لتحقيق رؤية المُنظمة عن طريق عقد ورشات عمل وأنشطة وفعاليات تُعَرِف الطُلاب على التطورات التكنولوجية، و تمكنهم من مواكبتها.
رأيت أن في هذا المكان فرصة كبيرة للتطور، وعلى غير العادة لم أختر التطوع من أجل كَسب الخبرة العملية في الهندسة الصناعية، لأني أرى أن القيمة الحقيقيّة المُكتسبة من الهندسة بكل فروعها ليست بالمواد العلميّة فَحَسب، بل بطريقة التفكير الهندسيّة المُتعلقة بالإبتكار وحل المشكلات. بدأت التطوع بصفتي مطور للعضوية "Membership Developer" بكل شَغَفٍ وحب في إحدى الشُعَب داخل الفرع، وكانت مُهمتي تُشبه عمل مندوب المبيعات، ولكن بدلاً من الترويج لمُنتج، كُنتُ مُروجاً لفكرة ورسالة. وبعد فصلٍ واحدٍ فقط، عُرِض عَليّ قيادة فريق صغير داخل الفرع، فكان علي تولي إرشادهم، ومتابعة العملهم، والمحافظة على التقدم. كان العمل في فريق مُنَظم يَعرف فيه كل شخص واجباته، يُشبه كثيراً العمل كموظف في شركة، ولكن تلقينا للأجر يكون على شكل خبرة ومهارة تعود علينا بفائدة عظيمة في المستقبل، بالإضافة الى الفُرَص الكبيرة التي قد تُهم أكثر من مجال التخصص نفسه.
جَرَت العادة أن تحدث انتخابات في نهاية كل سنة يُنتَخب فيها قائد جديد للفرع يحمل رسالته وكنت متردداً إذا ما كان علي الترشح أم لا، لكن كانت القاعدة الحاسمة بأنه لا يجب على المرئ تكرار نفس التجربة مرتين وعليّ أن أحافظ على استمراريّة التطور؛ فقررت أن أترشح لهذا المنصب، ولم يكن أمامي سوى خيارين إثنين: إما الفوز بالانتخابات، وإما ترك الفرع كلياً وبداية رحلة جديدة.
كانت الانتخابات فترةً صعبة؛ إذْ يتوجب عليّ تجهيز عَرض أُبيّن فيه خطتي لسنة كاملة وما هي الأهداف والتطورات التي أسعى لتطبيقها، وفي نفس الوقت ألّحَت الأسئلة علي: هل أنا قادر على فعل هذا؟ هل لدي المهارات الكافية؟ هل لدي الشجاعة لأقود هذا الفريق؟ لم أعرف الإجابة فعلاً، وكنت أُفكر بالانسحاب حتى الليلة الأخيرة، لكن كان شغفي و حبي في استمرار هذا المكان يَتَطور ويَدفعني للاستمرار.
مستعيناً بخبرات من سبقوني، قمت بتجهيز خطة لضمان استمرارية الفرع للسنتَين القادمَتين على الأقل: السنة الأولى وقد أوشكت أن تمضي، والسنة الثانية التي سيترشح لها قائد جديد قريباً. عَمِلنا بجهدٍ كبير، وقدمنا كُل ما لدينا، والأهم هو حصيلة ما تعلمناه من مهارات وخبرات ترسم لنا المستقبل. يُمكِنني القَول بأن هذه التجربة غيرتني تماماً، وإن أردت تلخيص أهم ما تعلمته ومارسته في عدة نقاط، سيكون الآتي:
- يقول سيمون سينك في كتابه (The Infinite Game) أنه يجب عليك أن تخوض التجربة على أنها لا نهائية، ويكون ذلك بأن تحمل رؤية أكبر منك شخصيا، رؤيا لن تحققها أنت بل أجيال من بعدك. فالأولى أن تستمتع برحلتك أنت ومن معك، فلا يوجد فوز أو خسارة بالنهاية والفوز الحقيقي هو الفوز بتجربة ترضون عنها وتترك الكثير من الذكريات بينكم، وهذا ما سيشجعك على خوض تحديات أكبر في المستقبل.
- حاول مشاركة أكبر قدر ممكن من الخبرة التي تعلمتها، لأنك لن تعرف قيمة ما لديك إلا عند محاوله مشاركته مع غيرك، فالمهارة التي تملك القدرة على تعليمها هي المهارة التي تمتلكها حقاً. ومن تشاركهم الخبرة والمهارة هم من سيسعون لتحقيق الرؤية من بعدك .
- استثمر بفريقك واستمع لهم جميعا، وأشعرهم بأن صوتهم مسموع وأن أفكارهم وآرائهم مهمة؛ بالنسبة للقائد سيكون الاستماع لأحد أفراد الفريق يمثل الاستماع لصوت واحد من أصل 70، أما بالنسبة للشخص الآخر فصوته هو الصوت الوحيد.
- عليك أن تفصل بين حياتك الشخصية وحياتك كقائد، فيتوجب ألا تؤثر علاقاتك الشخصية على قراراتك، ومصلحة الفريق تفوق مصلحتك الشخصية دائما.
- إعلم أن القيادة أمرٌ مُخيفٌ جداً، لكنه أشبه برهبة الحديث أمام الجمهور، فبدايته صعبة لكن ما إن بدأت بممراسته يصبح سهلاً ممتعاً داعفاً صاحبه للاستمرار.
- الشغف يفوق المهارة أهميّة، فبناء واكتساب المهارات هو الجزء الأسهل من الرحلة، وتحليك بالشغف والجرأة هو أساس خوض التجارُب الجديدة.
أختم ما سبق، بأن اكتساب الإنسان للمهارات والخبرات ينطبق على مبدأ الزخم الفيزيائي: والذي يوضح أثر الزمن بتأثييرنا بالقوة على الأجسام، فجلوسك على طاولة القهوة لمدة قصيرة قد لا يُحدِث أي تغيير لها، لكن استمرار الثقل الكبير على هذه الطاولة سيحدث كسوراً داخلية تؤدي إلى سقوطها بعد زمن. وهذا ما ستكتشفه في نفسك، إذ أننا لا نلاحظ تطورنا على المدى القصير، ولكن إن نظرنا لتطورنا على مدار سنة سنجد إحرازُنا للكثير من التقدم والنجاح دون أن نشعر.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
🌼
🌺