"لأول مرة أرسم ، و سعيدة بأنها أعجبتك ، مس إيمان " " أردت أن تري رسوماتي لأنكِ مصدر إلهامي " عبارات أعتبرها أوسمة شكر و سعادة لا تقدر بثمن .



أحتمي بتفاصيل السعادة التي أصطنعها من اللاشيء أحيانا ، و احيانا حين تجدني مصادفة بعد عناء و قد نالَ من قلبي التعب .

انا من تدور رحى الحياة بي و تقسو على أيامي ، و بين طحناتها المؤلمة تنثر رذاذ الفرح فوق دَقيق أحزاني .


كل غيمة في السماء حدثتها عن ما مررت به ، كلها تعرفني جيدا .


و كل الطرقات التي سافرت بها نحو المجهول كانت شاهدة على لحظات السعادة و ساعات البكاء .


اول قصة فرح مررت بها تأثرت بها كل حياتي عندما أنهيت الثانوية العامة .


كانت تلك السنة الدراسية تجربة صعبة بعد ان عصفت بي الظروف و تحول مسار حياتي من دراسة التخصص الذي تعلق قلبي به منذ الطفولة ووجدت نفسي في تخصص لم أخطط لدراسته .


بدأ هذا كله بعد أن امتحنت في مهارات الرسم و تم قبولي في كلية الفنون . كان الأمر يشبه المعجزة فقد كنت كالكثيرين ممن يُمسك القلم للرسم اثناء الدراسة كنوع من الخروج من الواقع، لا لأجل الرسم و إتقانه.


كان القبول حينها أول فرحة تضع لمساتها على مسار حياتي .


يضحك كل مَن أخبرتهم أنني قد ذهبت للجامعة ووزعت الحلوى ،فرحا بهذا بالإنجاز الذي حققته بعد كل هذا العناء.


رغم كل محاولاتي لتغيير مسار دراستي كان هناك ما يوقعني في الفشل و كان الأمر في حينها مؤلما، لكنه كان لحكمة ما أدركتها لاحقا .

بعد تخرجي من الجامعة توفي والدي رحمه الله و تقلبت بي الأحوال بين الحزن و اليأس . و بعد أن وجدت وظيفة براتب بسيط ، كان العقد بيننا جاهزا ينتظر امضاء مني . و لكن شيئا ما في داخلي أخبرني بالتريث ، لأجدني مِمَن تم تعيينهم في وزارة التربيةو التعليم . قد كان أبي من تقدم بأوراقي لديوان الخدمة المدنية و لم أتخيل بأن يتم تعييني بهذه السرعة !

يبدو بأن القدر قد سخر لي هذا كي أتمكن -بعد فاجعة موته و فقدانه -من العمل بفضل تخصصي هذا سريعا و الإعتماد على نفسي .

و أنا التي كنت قد فقدت الأمل !!


تخصص الفنون ساعدني بأن اقوم بنشر الفرح و تلقي السعادة بتصرفات طالباتي الطفولية و الشقية .


و ما أجمل أن أسمع منهن عبارات تقول :" كنتِ مصدر إلهام لي .. كنتِ السبب في أن أتعلم و أدرس الفنون .. "

و ان أرى خجل وجوههن التي تختبأ خلف محاولات الرسم الأولى !

حاولت و قد نجحت في تعزيز المحاولة حتى تتمكن اسماء كثيرة من المشاركة في المعرض الفني سنويا .

تلك البدايات الخجولة في رسم الخطوط تحولت أمامي إلى لوحات إبداعية ، و بعد مدة تختار الطالبة أسلوبا خاصا بها ليتحول لطابع فني يميزها بأعمال مدهشة جدا .كانت ملامح الخجل و البراءة تتحول إلى سعادة مفرطة و بريق الأعين تسكنها الثقة .

الموهبة ،و التعلم و التعلم من الأقران كان لهم بالغ الأثر في نشر ثقافة الفن و تأسيس قاعدة فنية في المدرسة .

فالفن رسالة تعبيرية يقوم كل منا بكتابة تفاصيلها بخطوط مختلفة بناء على خبراتنا و أحلامنا و قدراتنا التي لا يقبل التقليل من شأنها ،بل يُعد الحد منها قتلا للأحلام .


على مدى سنوات صنعن لي لحظات لا تنسى من الإبتسامة عندما كنت في حاجة ماسة لها و الضحكات التي تنعش القلب . تغيرت و تعلمت الكثير و أنا في الغرفة الصفية و الممرات و الساحات .


و كل ما سعيت لأجله هو أن يزهر التحدي و الإصرار و النجاح في كل أحلامهم البسيطة من بين رماد اليأس و الإحباط و الحزن الذي يحاصرنا لنبدو كدمى لا تواجه الحياة ،

فالنجاح الذي وصلن إليه هو كل ما أرجوه دائما .


حتى أن بعضهن قد أصبحن الآن زميلات لي في تدريس التربية الفنية ،


ليكن لي اليوم قلائد الفرح التي أفتخر برؤيتها و أسعد بها أينما تواجدت .


إيمان أبوطربوش- مشرفة تربوية





ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات إيمان أبوطربوش

تدوينات ذات صلة