فقد الكثير منا هويته في رحلة البحث عن الكمال والسعي الدائم وراء المثالية المزيفة التي تتصدر عصرنا الحالي
برغم علم الإنسان واعترافه بأنه كائن ناقص لم ولن يصل إلى الكمال مهما فعل لأنه وببساطه شديدة، الكمال لله وحده، ولا أحد ينافس الله في هذه المكانة، كما إن الإنسان مخلوق ناقص خطاء بحكم طبيعته البشرية، إلا انه لا يزال يبحث عن المثالية دون كلل أوملل في كل جوانب حياته بل ويصيبه الإحباط إذا وجد نقص معين بعد إنجاز عمل، بذل فيه مجهود كبير وأعطاه كثيرا من الاهتمام.
الباحث عن الكمال يضع معايير أداء عالية جدا ولا يقبل الخطأ، أيا كان حجمه او شكله او تأثيره. ينتقد ذاته بشكل مبالغ فيه وشديد الخوف من تقييم وانتقاد الآخرين له. فلا يفرح ولا يشعر بنجاحه حتى ولو اقنعه الجميع بذلك. دائم السخط على حاله ولا يستشعر اي نجاح لأنه يرى فيه التقصير والأخطاء فقط فيستصغر إنجازه ويفقد ثقته في نفسه ويعيش في جو من الكآبة الدائمة والتشاؤم وعدم الرضا ويفتقد الشعور بالسعادة في أي عمل يقوم به.
يصنف علماء النفس والاجتماع حالة البحث عن الكمال التي تصيب معظم الناس بأنها أكثر الأمراض النفسية إيذاءاً للإنسان وهي آفة العصر الحاضر، عصر مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والانستجرام وتويتر وغيره حيث يتسابق الجميع في إظهار المثالية في كل شيء من خلال صورة أو فيديو حتى لو كانت مثالية كاذبة تنسجها الفلاتر والمؤثرات. الأمر الذي يزيد من رغبة المتابعين لهذه المواقع في تحقيق حياة مثالية كحياة فلان المشهور أو فلانه المشهورة ثم تظهر مجموعة آخرى من المتابعين تنتقد بشدة هذه المثالية .. وحدث ولا حرج عن أشكال الانتقادات وأسبابها.
ومابين مثالية المشاهير وانتقاد المتابعين، يتوه الإنسان ويفقد هويته باحثا عن مثالية دون انتقادات، يتعرض لضغط نفسي وعصبي رهيب نتيجة عدم قبول الواقع والرغبة في تغييره والشعور بالإحباط والعجز لعدم توافر الإمكانيات المثالية لتغييره.
قد يكون للبحث عن الكمال دوافع نبيلة تتمثل في البحث عن النجاح والتميز، وهو ما يدفع الإنسان للتركيز وتحري الدقة في أداء العمل كما قال طه حسين
لو أن الإنسان خلق كاملا لما احتاج إلى أن يطمع في الكمال
ولكن وجب هنا الوقوف على الفرق بين الاجتهاد وإتقان العمل والتوكل على الله في النتيجة والرضا بها أيا كانت، وبين عقدة البحث عن الكمال، الأول يبعث على طمأنينة النفس ويزيد الإرادة في التعلم والتحسين المستمر والرضا بالإنجاز والسعادة بالنجاح، أما الثاني يصيب الإنسان بالإحباط والاكتئاب بسبب نتيجة قد تكون غير مرضية أو ليست مثالية بالشكل الذي يتمناه او الشكل الذي تخيل مثاليته.
البحث عن الكمال هوس يصيب الكثير منا والتخلص منه يمثل تحدي كبير، يحتاج إلى شجاعة لترك هذا السلوك و توطيد اليقين داخل النفس والعقل، بأنه لا يوجد مكان للمثالية في عالم غير مثالي متغير فما تظنه مثاليا اليوم سيفقد مثاليته غدا.
يجب أن نؤمن بأن إنسانيتنا لن تكتمل دون الخطأ والنقصان والتأرجح بين النجاح والفشل وعلينا تقبل هذا، فنعترف بأخطائنا ونتعلم منها، فنصيب، ثم نخطئ ثانية، لنتعلم ونصيب مرة آخرى.
يقول شكسبير
" لسنا كاملين ولم نخلق للبحث عن الكمال، خلقنا بشر نخطىء ونصيب و نجرب ونتعلم".
كفاك إرهاقاً لعقلك ونفسك بالسعي وراء الكمال الكاذب ووهم المثالية المزيفة.
شعورك بالضياع وفقدانك لهويتك الإنسانية سببه بحثك عن الكمال حيث لا مكان له
تقبل الواقع …. تقبل نفسك كما هي … تكن أسعد الناس.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
يجب أن نؤمن بأن إنسانيتنا لن تكتمل دون الخطأ والنقصان والتأرجح بين النجاح والفشل وعلينا تقبل هذا، فنعترف بأخطائنا ونتعلم منها، فنصيب، ثم نخطئ ثانية، لنتعلم ونصيب مرة آخرى.
Healing words and to the point ... keep it up :)
استاذه سمر فعلا كلام فى الصميم
احسنتى
شكرا ليكى بجد يا أستاذة سمر .. كلام فى الصميم فعلا.
وأحب أضيف " أن الأخطاء هى رمز الهوية الأنسانية " يعنى الفرق بين الأنسان والحيوان هوا أن الأنسان لازم يخطأ .
المشكلة فعلا أن مواقع التواصل الأجتماعى بتجذب الناس لأنها عبارة عن عالم افتراضى الناس بتحاول توصل فيه لشكل الحياة اللى مش قادرة تعيشها فى الواقع.
بالتوفيق ليكى يارب دايما .. وياريت تكملى لأنك أسلوبك سهل وبسيط