جوبز و مجموعة من كبار صناع التكنولوجيا يتبعون ضوابط لاستعمال التكنولوجيا لماذا ؟؟


هل هي نوع من الإدمان على المخدرات أو الكحول ؟


في كانون الثاني من سنة ٢٠١٠ في حدث لشركة أبل (Apple) ، كشف ستيف جوبز عن الايباد (iPad) قائلا : “ما يفعله هذا الجهاز غير عادي، إنه يوفر أفضل طريقة لتصفح الويب، أفضل من أي جهاز كمبيوتر أو هاتف ذكي واصفا إنها تجربة مدهشة و إنه استثنائي للبريد، والكتابة عليه كالحلم، لمدة تسعين دقيقة”، وأوضح جوبز لماذا يجب على كل شخص أن يستعمل الآيباد (iPad)، لكنه رفض السماح لأطفالهم باستخدام الجهاز!!


ليس جوبز فقط لكن مجموعة من كبار صناع التكنولوجيا يتبعون ضوابط لاستعمال التكنولوجيا، مثل كريس أندرسون ، المحرر السابق لـمجلة (Wired )، إيفان ويليامز، مؤسس (Blogger) و (Twitter) و(Medium)، قام بشراء مئات الكتب لأولاده الصغار رافض منحهما جهاز( iPad)، لماذا أعظم وأشهر رواد و صناع التكنولوجيا في العالم هم أيضًا أعظمنا خوفا من هذه التكنولوجيا؟


يقول آدم ألتر(Adam Alter) وهو مؤلف أمريكي في مجال التسويق يعمل أيضًا في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك في كتابه (Irresistible)، “قام مطور تطبيقات كيفن هولش (Kevin Holesh) بتصميم تطبيق لتتبع به مقدار استعماله اليومي لهاتفه النقال تحت إسم (Moment)، بعد أن أحس أنه لا يقضي وقتا كافيا مع عائلته بسبب هذه التكنولوجيا”، يقول (Holesh) :


” لدينا آلاف المستخدمين، معدل إستعمالهم للهاتف النقال ثلاث ساعات، و يتفحصون الهاتف بمعدل ثلاثين مرة يوميا. مع العلم أن هؤلاء المستخدمين الذي كان مقدار استخدامهم لهواتفهم يسبب لهم قلقا سببا لتحميل التطبيق.” تخيل ملايين المستخدمين الآخرين الذين يجهلون أو يتجاهلون تأثير الهواتف النقالة في حياتهم، فأنهم يقضون أكثر من ثلاث ساعات يومياً على هاتفه، حيث أن معدل استخدامهم للهاتف ما يقارب الأربع ساعات يوميا، ما يقارب ربع الوقت من يومنا أكثر من أي نشاط نمارسه يوميا غير النوم، ما يقارب المائة ساعة شهريا تضيع سدا بين البريد الإلكتروني، والألعاب، وقرأت المقالات….إلخ، فتكون المحصلة إحدى عشر سنة من معدل حياة الفرد.


يعتمد الإدمان إلى حد كبير على البيئة والظروف، حيث اكتشف خبراء التكنولوجيا أيضًا أن البيئة والظروف المحيطة بالعصر الرقمي محفزة إلى حد كبير للإدمان أكثر من أي شيء عرفه البشر في تاريخنا، في الستينيات من القرن الماضي كانت السجائر والكحول والمخدرات التي كانت غالية الثمن ولا يمكن الوصول إليها عمومًا، أما في ٢٠١٠ أصبح الفيسبوك (Fcaebook)، والإنستغرام (Instagram) أكثر بكثير مما كانت عليه في أي وقت مضى في تاريخ البشرية، ونحن ما زلنا في بدايات تعلم مدى تأثير هذه المحفزات، فنحن جميعًا على بعد منتج واحدًا أو تجربة واحدة عن شفى الإدمان، من السهل جدًا إخفاء الإدمان السلوكي أكثر من الإدمان على تعاطي المخدرات، مما يجعل هذا الإدمان أخطر من أي إدمان آخر لأنه ممكن أن لا يلاحظ لسنوات طويلة.


الدافع وراء السلوك البشري هو سلسلة من العمليات الحسابية للتكاليف والفوائد المنعكسة التي تحدد ما إذا كان سيتم تنفيذ الفعل مرة أو مرتين أو مائة مرة أو لا على الإطلاق، عندما تطغى الفوائد على التكاليف، القائمين على إنشاء وصقل التكنولوجيا والألعاب والخبرات التفاعلية جيدون للغاية فيما يقومون به، يقومون بإجراء الآلاف من الاختبارات مع ملايين المستخدمين لمعرفة أي تعديلات يتم تنفيذها، أي ألوان الخلفية والخطوط ونغمات الصوت تزيد من المشاركة وتقلل من الإحباط، مع تطور التجربة أصبح سلاحًا لا يقاوم للتجربة التي كانت عليها من قبل، في عام ٢٠٠٤ كان فيسبوك (Facebook) تجربة ممتعة حتى أصبح في عام ٢٠١٦ سبب للإدمان.


وفقًا ل تريستان هاريس (Tristan Harris)، “ فإن المشكلة ليست في أن الناس يفتقرون إلى قوة الإرادة؛ لكن إنه يوجد ألف شخص على الجانب الآخر من الشاشة مهمتهم كسر الإنضباط الذاتي لديك“، تريستان هاريس هو المدير والمؤسس لمركز التكنولوجيا الإنسانية، كان يعمل كأحد مدققي أخلاقيات التصميم في شركة جوجل (Google) ، حيث درس آليات الإقناع البشري، في كثير من النواحي ، إدمان المواد والإدمان السلوكي متشابهان للغاية حيث إنهما يعملان على تنشيط مناطق الدماغ نفسها، وتغذية بعض الاحتياجات الإنسانية الأساسية ذاتها: المشاركة الاجتماعية والدعم الاجتماعي، والتحفيز العقلي وشعور الإنجاز.


يتابع آدم ألتر(Adam Alter) في كتابه (Irresistible) عن لسان أحد الأطباء النفسيين عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي: “لقد شكلت وسائل التواصل الاجتماعي أدمغة الشباب الأصغر الذين أعمل معهم، والنتيجة هي مساحة مليئة بالانفصال والإدمان.” بالعودة إلى السؤال في البداية فجوابه هو هذا النوع من الاستخدام المفرط منتشر إلى درجة أن الباحثين صاغوا مصطلح (نوموفوبيا) (nomophobia) اختصارا ل (no-mobile-phobia) لوصف الخوف من عدم الاتصال بالهاتف المحمول. على الرغم من أن عصر تكنولوجيا الهواتف المحمولة قد بدأ لتوه ، إلا أن ألتر يعتقد أن العلامات تشير إلى حدوث أزمة، في عام ٢٠٠٠ وجدت Microsoft) Canada) أن متوسط نطاق الانتباه للفرد كان ١٢ ثانية. بحلول عام ٢٠١٣ أصبح ثماني ثوان، مقارنة بالسمكة الذهبية فإن نطاق الانتباه عندها فهو تسع ثوان.


التكنولوجيا ليست سيئة بطبيعتها حيث أنها عملت على تقليص المسافات بيننا، ليست جيدة أو سيئة من الناحية الأخلاقية لكن ما تمارسه الشركات التي تصممها، حيث يمكن تصميم التطبيقات والأنظمة الأساسية لتعزيز الاتصالات الاجتماعية الغنية أو مثل السجائر، يمكن تصميمها للإدمان. اليوم ، للأسف ، العديد من التطورات التقنية تعزز الإدمان، أصبحت الهواتف الذكية وتكنولوجيا الإدمان جزء لا يتجزء من حياتنا اليومية بطريقة أكبر من أي مسبب إدمان آخر في التاريخ، يمكنك حصر تجارب الإدمان في زاوية واحدة من حياتك مع ممارسة العادات الجيدة التي تعزز السلوكيات الصحية. وفي الوقت نفسه ، بمجرد فهم كيفية عمل الإدمان السلوكي، يمكنك تخفيف ضرره ، أو حتى تسخيرها من أجل الخير، فإن نفس المبادئ التي تدفع الأطفال إلى ممارسة الألعاب قد تدفعهم إلى التعلم في المدرسة، والأهداف التي تدفع الناس إلى ممارسة الإدمان قد تدفعهم أيضًا إلى توفير المال للتقاعد.


في كتابه (Digital Minimalism) يقول البروفسور في علوم الكمبيوتر بجامعة جورج تاون كال نيوبورت (Cal Newport) : “لا يستسلم الأشخاص للشاشات لأنهم كسولون؛ ولكن لأنه تم استثمار مليارات الدولارات لجعل هذه النتيجة حتمية.” يُعرّف الإدمان بأنه “حالة يستخدم شخص مادة ما أو يقوم بسلوك يوفر له آثار تدفعه لمتابعة السلوك مرارًا وتكرارًا على الرغم من العواقب الضارة”. لهذا فإن كال نيوبورت على قناعة بأننا بحاجة إلى “فلسفة كاملة لاستخدام التكنولوجيا ، متجذرة في قيمنا العميقة، والتي توفر إجابات واضحة على الأسئلة حول الأدوات التي يجب علينا استخدامها وكيف يجب استخدامها، وعلى نفس القدر من الأهمية ، تمكننا وبكل الثقة تجاهل كل شيء آخر “. بحيث يكون استخدامنا لهذة التقنيات الحديثة كأدوات لدعم الأشياء التي نقدرها وتضفي قيمة لحياتنا، وليس كمصدر للقيمة بحد ذاتها.


على افتراض أنك تستخدم الفيسبوك (Facebook) ، أدرج أهم الأشياء التي يوفرها لك والتي قد تفتقدها حقًا إذا كنت مضطرًا للتوقف عن استخدام الخدمة تمامًا، تخيل الآن أن فيسبوك بدأ يفرض عليك رسومًا في الدقيقة. ما مقدار الوقت الذي تحتاجه حقًا لقضاء الأسبوع العادي لمواكبة قائمة أنشطة فيسبوك المهمة؟

saffha/صفحة

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات saffha/صفحة

تدوينات ذات صلة