لماذا خلق الله الشر؟ نقاش هادئ بين الإيمان والإلحاد.

نناقش في هذا المقال ما يسمى بمعضلة أبيقور، التي أخذت اسمها من الفيلسوف اليوناني المتوفى في القرن الثالث قبل الميلاد, تتلخص مشكلة الشر فيما نقله "ديفيد هيوم" عن أبيقور بقوله:

" هل هو يريد أن يمنع الشر؟ لكنه غير قادر! إذن فهو عاجز. هل هو قادر لكنه لا يريد؟ إذن هو شرير. أم هو قادر ويريد منع الشر؟ فمن أين يأتي الشر إذن؟"

لطالما كان سؤال الشر؟ معضلة كبري وصخرة من صخور الإلحاد لايمكن أن يمر قرن من الزمان علي البشر دون أن يقفز هذا السؤال مرارا وتكرارا إلي المشهد, فلا يمكن أن يمر قرن من الزمان دونما حرب كبري توقع مئات الألوف من الضحايا, أو وباء شديد يحصد الأرواح أو كارثة طبيعية كبيرة واحدة علي الأقل تهلك البلاد والعباد.


وسؤال الشر يعتبر واحدا من الأسئلة الكبري في العالم لا يمكن الإجابة عليه بشكل وافي وكافي في مقال قصير كهذا أو حتي كتاب وربما يحتاج لمعالجة بشكل دقيق وهذا ليس ما أطمح إليه وربما أكبر بكثير من قدرتي ولكن كل ما أريد هو أن أشارك معكم تجربتي الفكرية الخاصة جدا مع هذا السؤال وكيف خرجت منه بإجابة مقنعة بالنسبة لي وأتمني بعد العرض الوافي لها أن تكون مقنعة لمن حيره سؤال الشر؟ فتبرير العدل الإلهي كان وسيظل ساحة وعرة جدا من أشد ساحات الصراع بين اللاهوتيين والملحدين.


عطفا علي كلام أبيقور, هذة السردية تعني أن وجود الإله يتعارض مع وجود الشر, ولكن الإحتجاج بأن وجود الشر ينفي وجود الإله هو قفزة غير منطقية وإستنتاج خائب.

لأن أقصي ما تحدثه هذة المغالطة المنطقية هي أن تشكك في صفات الله لا في وجوده.

بمعني أنها تذهب إلي فرضية من ثلاثة في صفات الخالق,إما أنه لا يعلم بوقوع الشر وبذلك هو ليس كلي العلم؟ وإما أنه يعلم بوقوع الشر ولكنه لا يستطيع تغيره أو إيقافه فهو هنا ليس كلي القدرة؟

ثم عندما تجيب أنت كمؤمن بأن الله كلي العلم كلي القدرة فتكون العقبة الأخيرة,

بأنه إذا كان يعلم بوقوع الشر ولديه القدرة علي دفعه ولا يدفعه فهو شرير؟

وإن فرضت جدلا بأنه ليس هو من يوقع علينا الشر فهو ليس شريرا تجد أنه علي أقل تقدير لا ينفع غير ذي منفعة.

يعلم أنني تحت وطأة الشر ولديه القدرة علي دفعه وهو ليس شريرا ولا يدفعه؟ يا حيف!!!


من هنا نصل أن مشكلة الشر هي مشكلة من يؤمن بوجود إله قادر عالم رحيم كامل الخيرية.


وهي بذلك ليست مشكلة الملحد أو الربوبي أو اللاأدري أو من يؤمن بأن الله بذاته أو في أقنومه البشري يسوع عذب وقتل علي الصليب أو من يقول بأن يد الله مغلولة وسوف نفند.


الملحد الذي يري أن الكون نشأ بذاته عليه أن يكون متسقا مع مبدأه ويري أن الشر نشأ بذاته أيضا وليس هناك إله راعي للشر أو عاجز عن دفعه فكيف يمكن أن تمنح صفة العجز أو الشر لشيء ليس موجودا.


أما الربوبي الذي يري أن هناك خالق ولكنه لم يتصل بنا إطلاقا ولم يرسل أنبياء ولا رسالات ولا كتب ولم يقر شرائع فهو يتحدث عنه رب مفارق فلا يثبت له علما بنا ولا مقدرة فما مشكلته مع الشر إذن؟


ومن يؤمن بأن الله في أقنومه البشري الإبن يسوع قدر عليه الرومان بوشاية من اليهود وعذبوه وصلبوه فهو بشكل مباشر يؤمن بأنه عجز في أن يدفع الشر عن نفسه؟ فكيف يدفعه عنا؟ بل في أحسن الفرضيات نشكر نبله وعظيم فضله أنه خلصنا من شرورنا بدمه وجسده فمالنا نسأل هذا الرب الشهيد عن دفع شر؟ وما ينقصه بعد ذلك إن لم يدفعه؟


أم من يقول أن يد الله مغلولة فقد أثبت له العجز إبتداءا, فمن يطلب من عاجز بعد ذلك دفع شر؟


إذا مشكلة الشر هي مشكلة مع صفات الله عز وجل في دين الإسلام مشكلتهم مع إله الإسلام وليس إله كل من سبق ذكرهم.


والأغرب أن تصور كل هؤلاء عن الله وسأكمل بكلمه الله وليس إله الإسلام لأني أستخدمتها فقط للمفاصلة ولا أحب ذكرها بهذا الشكل تصور هؤلاء عن الله أنه كلي العلم والقدرة والرحمة وهذا منظور قاصر جدا فكما الله جل جلاله عليم قدير رحيم فهو أيضا حكيم عادل خبير فسوء التصور لكمال الله سيظل جيلا بعد جيلا هو السبب الرئيسي لهذة المشكلة والسؤال يا أيها الملحد بما أنك تناقش تصور المسلمين الموحدين للإله فلماذا لا تنقل هذا التصور كاملا وبأمانة؟ فهذا التصور يثبت عدلا وحكمة كاملة تامة كما يثبت علما وقدرة ورحمة تامة.


ما أريد أن أقول أن عدم العلم ليس علما بالعدم.


فقصور إدراكنا كبشر عن حكمة الله وعدل الله وعظيم تدبيره لا يعني إطلاقا بأن إرادته في أن يوجد شرا في هذا العالم هي محض شر أو شرا مجانيا.


ثم دعنا نسأل أنفسنا سؤالا! الكل في الغالب يؤمن بأن الشيطان هو منبع وأصل كل الشرور ومن خلقه و سمح له أصلا بالوجود؟


أليس الله! هل رفع الشيطان سيفه في وجه خالق السماوات والأرض وحارب لأن يوجد معنا بهذة الحياة الدنيا؟ أم أنه سأل الله أن يؤخر حسابه إلي يوم بعثنا؟ وقال أنظرني إلي يوم يبعثون.


فالله عز وجل قادر و عليم قادر أن يمنع الشر وأن يمحق الشيطان وشروره وعليم كلي العلم يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولكنه خلق الدنيا دار للعمل والإختبار فهي دار إمتحان وكيف يمتحن الإيمان بدنيا بها خير مطلق بلا شرور؟ ألم يقل في كتابه العزيز و ولنبلونكم بالشر والخير فتنة.


وفي النهاية ما يقال عن الشر يقال عن كل الصفات السيئة لدى البشر، فإن الله لم يخلقها ليتصف بها، لأن الصفات الحسنة والأشياء المحبوبة لدينا لم تكن لتظهر وتُعرف لو لم توجد تلك الشرور والمكروهات في مقابلها، وكما يقال "بضدّها تُعرف الأشياء".


وإذا كان الملحد يجد مشكلة نفسية في تقبل وجود الإله مع وجود الشر في هذا العالم، فيجدر به أن يجد مشكلة أكبر في القبول بفكرة فناء هذا العالم المليء بالشر دون وجود مرحلة أخيرة للحساب، ليقتص فيها المظلوم من الظالم، وينال كل مخلوق حقه كاملا، وأختم بقوله تعالي:" ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون".


أحمد أشرف

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أحمد أشرف

تدوينات ذات صلة