إلى متى ستستمر بالنحيب والصراخ ولوم الآخرين على ما حدث؟ حقا إلى متى؟
ليست الفكرة دائما بلوم الآخر والعتاب المستمر وتوجيه الاتهامات بشكل دائم.
أعني لا بأس في فعل ذلك، وهذا حق الإنسان المتضرر تماما، وهذا سلوك وردة فعل طبيعية ومرحلة ضرورية لفهم الذات، واستيعاب ما حدث، لكن.. إلى متى ستبقى معتليا خشبة المسرح، تبكي، تصرخ، تؤنب، توبخ؟
إلى متى؟ أسبوع؟ شهر؟ سنة؟ ثم ماذا؟
وماذا سيفيدك هذا السلوك لاحقا، في الخطوات التالية؟
ماذا تستفيد حقا من تكرار ذلك؟ وإلى أين سيوصلك ذلك؟
حتما إلى لا مكان.. بل ستبقى عالقا في قصة، ومشاعر حزن وغضب، ستسجن روحك في دور الضحية، ولا المتسبب في الضرر سيُصلح ما أفسد ولا الحياة تكافئ أحدا حقيقة فقط لكونه ضحية، للأسف لن تعطف عليك الحياة ولن تصفق لك لأنك كنت يوما فريسة سهلة، هذا لا يحدث أبدا في قانون الكون.
الحياة عادة تنظر لك بعين الرحمة والغضب في آن وتقول لك: قم، لملم شتات نفسك لوحدك.. وافهم الدرس.. لا يمكن أن يكون هذا خطأ الآخرين فقط، الناس هم انعكاس جروحك، عللك الداخلية، نظرتك لنفسك، وإن لم يكونوا انعكاسك، كان من الأساس ذنبك بأنك لم تضع حدودا واضحة، لم تستطع حماية ذاتك من تماديهم، لماذا لم تحترم نفسك من البداية وتكون قويا بما يكفي لتقول:"لا" مثلا.. لماذا لم تحاول خسارتهم مثلا بدلا من تمسكك بمن لا يشبه روحك، ولا يشبه تفاصيلك.
لم يكن المقصد من القصة فقط اللوم، بل عليك تحمل مسؤولية هفواتك أنت، أو حتى لا تبدو قاسيا على ذاتك، بكلمات أخرى، من المهم فهم ذاتك وأفعالك وردود أفعالك، من المهم أن تفهم لماذا يحدث لك ذلك، لماذا اخترت الصمت في ذاك الموقف، لماذا تغفر للناس أو لا تغفر أبدا، لماذا تتقبل الناس بأخطائهم أو تكرههم وترفضهم، لماذا تفعل ما تفعله دائما أيا كان.
كل شيء مرتبط بسلسلة كاملة من المواقف في حياتك، منذ ولدت حتى يومنا هذا، كل شيء عشته كان له يدا في صُنع ما أنت عليه الآن، من قلب ونوايا وردود أفعال ونمط تفكير، وأفكار.
كل شيء يحدث معك ويستمر في الحدوث سببه نظرتك لذاتك أولا، ثم للعالم الخارجي.
لذا، عليك دائما حقيقة أن تبدأ من نفسك، من داخلك..
ويبدو أن الكلمات التي أقولها الآن سهلة لكن الفعل والتنفيذ صعب جدا، ومؤلم وليس مريح أبدا.
لا هروب من الحقيقة، أن كل شيء يبدأ من عقلك، وقلبك، ونواياك، وطريقة رؤيتك لذاتك، ومعاملتك لذاتك.
لذا عليك أحيانا حقا أن تتوقف عن لوم الآخرين، توقف عن النحيب، توقف عن لوم الحياة والقدر وكل شيء، وحتى إن كان كل شيء غير عادل وغير منصف لك، وإن كان الآخرين فعلا مجحفين بحقك وحق قلبك ولطفك، وإن كان ما تعرضت له قاسيا، فكر لماذا لم تحمي أنت نفسك من البداية، كيف من الممكن أنت أن تتغير وتمنع تكرار ذلك لاحقا.
ابتعد، احمي ذاتك، تعلم كيف تقول لا للقصص التي لا تناسبك، تعلم كيف تسير بعيدا من أول مرة عن أي شيء لا يُشبهك، تعلم أن لا تكون ضحية، أن لا تتعلق حقيقة بالوهم، أن تميز من الأساس بين الوهم والواقع، أن لا تخشى النجاح، أن لا تخاف من السقوط، أن لا تهتم من الأساس بنظرة الناس لك وحكمهم، أن لا تدعهم هم يؤثرون عليك وعلى نظرتك لنفسك أساسا، أن تفهم ما تريده حقا، وأن تبدأ بالعمل على تجسيد كل ما تريده وتحلم به إلى واقع. هذه حياتك أنت وهذا عمرك أنت الذي تبدده بالخوف والنحيب والقلق.
في نهاية المطاف، ما حدث قد حدث، ولكن، عليك أن تكون حذرا حتى لا يتكرر أبدا ما حدث، أن لا تبقى أسيرا لأنماط متشابهة بتفاصيل مختلفة.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات