العزلة بحسب ما جاء في المعجم هي انقطاع عن العالم وفصلٌ عن الاتحاد مع الآخر، وهي أيضًا استقلال بالنفس، وانفراد.




..


العزلة لا تحيلنا إلى العدم بل هي تنقلنا إلى ضفة أخرى من الوجود، الوجود الذي نلتقي خلاله بالأنا وليس الآخر، فتتحقق لنا لقاءات أخرى غير التي اعتدناها في عالم الميل والاختلاط والمواجهة، وإذ نلج إلى عوالمنا المستترة، وننتقل بينها دون قيود وفروض، نجد لأفكارنا متسع ولخيالاتنا جدولها الذي تجري فيه بلا انقطاع، فيكون خلق ويكون إبداع، وتكون رؤية.


متى تكون العزلة مثمرة؟


وإذ ننفصل عن صخب العالم نستعيد ذلك الصوت المفقود منّا. وذلك الصوت هو ما يمثل الأنا داخلنا، وهو أيضًا الإرادة والتي في مضمونها وعي وقصد وتركيز. ومن العزلة تستعيد الأنا اتزانها فتحقق أول ثمارها ومن ثم تتجه إلى الرؤية الواضحة، التي تفسح المجال للفعل فتكون قادرة على البناء، وللتأمل فتكون قادرة على الخلق والإبداع.


وبهذا تكون العزلة مثمرة عندما نعود قادرين على الرؤية دون تشوش، أو خلل يقف حائلًا دون تقدم أو تطور لهذه الأنا، من شأنه أن ينعكس على الخارج أو يؤثر على طريقة تفاعلنا وتعايشنا معه.


والعزلة ضرورة تنزع إليها الأنا مثلما تنزع للميل والاجتماع، وفيها تحفظ خصوصيتها وتنتشلها من حالة الذوبان التي يفرضها التعاطي لفترات طويلة مع الخارج والاستغراق في شئونه.


كيف نقضي عزلتنا؟


في العزلة نلتقي وأشيائنا الخاصة فحسب، ولا يهم كثيرًا السؤال عن ماهيتها بقدر الوقوف على أهمية أنها أشياء خاصة بنا، تجتمع ضمن رابطة علاقات مجردة، قوية ومتجذرة، نتميز بها وإن ظلت بالنسبة للخارج مبهمة يصعب إدراكها.


أنفق أوقات عزلتك في قراءة كتاب تحبه، أو مشاهدة عمل سينمائي أو سلسلة درامية، أو أسلك درب الروحانية وتدرب على التأمل والتركيز بين أحضان الطبيعة، بين امتلاء وسكون المشهد، سر في اتجاه الأشياء وابحث عن المعنى، أو استسلم لحالة إبداعية، أو نشاط من شأنه أن يطورك، فأنت حر في قرارك حتى وإن أفضى بك إلى مؤانسة اللاشيء.


العزلة والإبداع


إن فسحة إبداعية تتشكل وفق حالات العزلة، فالصمت والتركيز والتأمل وإعادة طرح المعنى والسؤال هو ما يساعدنا على إبداع شيء جديد، أو جعله ينبثق من رحم ماهو موجود لكنه لم يكن مرئي بشكل كافٍ، وقد يتجلى ذلك في أعمال وفنون شتى منها الكتابة، والرسم، والنحت، والتصميم.


عن العزلة والكتابة


أما عن فعل الكتابة فلا يحتاج من العزلة إلا أن تكون مؤقتة، فالكاتب ابن عزلته، لكنه يظل في حاجة دائمة للخروج إلى العالم الخارجي والتعاطي معه بقدر حاجته للقراءة والتجربة والفهم، وبالتالي عليه أن يجيد مهارة الانتقال بخفة دون أن يذوب فيه. أن يتأمل المشهد الخارجي ويلتقط أدق تفاصيله، دون أن يقع فريسة له والعكس.


هل العزلة تعني التخلي عن المسئولية؟


وأكثرنا يعاني كل حين من رغبة ملحة في الهروب، ربما لأننا لم نعد قادرين على تحمل هذا العبء الوجودي الذي يحتم علينا معالجة الأشياء ومواجهتها على ضخامتها ومخاطر توابعها، لكن العزلة ليست مآل لهذه الرغبة ولا ينبغي لها أن تكون، فأنت مسئول ولديك وعي كاف بمسئوليتك هذه بحيث لا تجعلك عزلتك في غربة وانقطاع دائم عن ما يدور خارج عالمك.



في العزلة، ليس ثمة فروض، ولا توقعات، أنت فقط تتخفف من كل العالم، ورغم ذلك تضع مسئولية تنحيك بين يديك، فأنت من تقود عالمك، وكل ما ينتج عن هذا الوقت هو محض اختيار.













ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات ريهام سليمان

تدوينات ذات صلة