تواجد أمامي بلونه البني المصفر تعلوه رغوة لطيفة يجذبك منظره في الكوب لتناوله فورا لإرواء عطشك خصوصا في رمضان
كانت تجربتى معه مريرة، جعلتنى أتمثل الحالة النفسية عندما يصرخ التقى مستعيذا من الشيطان عندما يعلم أنه قد شرب مُنكر , تناولته وأنا في عمر ثلاثة عشر عاماً بطريق الخطأ معتقداً أنه مشروب التمر هندي الذي أعشقه ولم ألحظ حينها اختلاف درجة اللون لم يكن بني ولا أسود ولم ألحظ الرغوة البني التي تعلو الكوب وكما أنا معتاد مع مشروب التمر تناولت الكوب كله مرة واحدة لأبدأ مع ذاك المشروب الذي أنجبته “الدهشة” جلست حينها لوقت ليس بالقليل أتأمل كوب من التمر الهندي بجوار كوب من العرق سوس حتي لا تحدث هذه (اللغبطة ) بين الأكواب مرة أخري , لم أنسي تذوق أول مرة تراب مبلول مُر ولاذع وغير مُحبب وهو ف طرف اللسان ويترك أثر لطيف مسكر في الحلق بعد بلعه, السر يكمن بالتفاصيل المتدرجة للمذاق حيث بدايته غير نهايته في مرحلة التذوق, مخادع ولعوب وهنا يكون سر غوايته, حلاوة النهايات وليس البدايات, شعرت بشئ أقوى منك تجبرك بمنح فرصه لمشروب العرق سوس (يمكن يطلع حلو المرة دي) وهنا تناولت كوب العرق سوس وتركت بكامل إرادتي كوب التمر هندي فالإنسان وحده يعرف كيف يختار ملاذه وملذاته, ولكن تناولته بتأني هذه المرة رشفة رشفة وعند بداية التذوق تقول إنك لن تعود إليه ولكنك تعود لتأخذ الرشفة التالية اتذكر حينها كنت افتح عيني عند أخذ الرشفة من الكوب ثم اغمض عيني بقوة وابلع ريقي كثيرا لكي اتحمل التذوق من مر الي حلو !
تدور الأيام وقابلت حالة محيرة.. فتاة تعاني من قيء دموي كحبات القهوة يصاحبه ألم شديد بالمعدة مع نوبات متكررة من عسر الهضم وظهور دمٍ باللون الأحمر الفاتح أو الغامق مع البراز,الشعور بالإرهاق والتعب الشديد دون وجود سبب واضح مع الإحساس الدائم بالجوع الشديد وخاصة عند الاستيقاظ من النوم والشعور بالغثيان والامتلاءوالانتفاخ الدائم في البطن نتيجة تكوين الغازات مع آلام وحرقان أعلى أجزاء البطن بجانب رائحة الفم الكريهة, قمت بتشخيصها بعد الفحوصات وتحويلها لعمل منظار علوي بإصابتها بما يسمي ب (جرثومة المعدة) حيث تتواجد بالجهاز الهضمي وهي نوع من البكتيريا من العصيات سلبية الغرام أليفة الهواء القليل التي تستعمر مخاطيات المعدة والإثنا عشري، مسببة قرحات في المعدة والإثنا عشري لم يجدي معها أي علاج ولكنها فاجئتني في آخر تردد علي المستشفي بأنها تتحسن تدريجياًعلي حسب كلام الفتاة بشرب العرقسوس حينها تذكرت كلام البائعة البسيطة منادية علي العرقسوس ( بيطري علي البطن يا بيه ) ....امتكلت حينها الشجاعة الأدبية ما سمح لي بأن أسئلها عن مغزي جملة (بيطري علي البطن ) ... أجابت حينها عيب يا أستاذ تسأل السؤال ده شكلك بيه كبير..... هكذا خرست تماماً ولم انطق ببنت شفه ولكن أجبت بإبتسامة صفراء ... بالطبع درست الجهاز الهضمي ولم أقرأ قط جملة ( بيطري البطن ) .... مكثت في نفس اليوم في البحث عن عن دور العرقسوس في أمراض المعدة وجدت دراسات بالفعل بأنه يمكن أن يساعد مستخلص عرق السوس في تسريع إصلاح بطانة المعدة وإعادة التوازن وجود حمض الجليسيريزين حيث يعطي عرقسّوس خصائصه المضادة للالتهاب وتعزيز الجهاز المناعي !
العرقسوس حتي لا تتعرض للتنمر مثلي يكفيك أن تعرف أنه مشروب من عبق الطبيعة الممتد جذوره ارضا ويواجه طوله ارتفاع السماء, "عرقسوس" كلمة عربية الاصل تعني امتداد جذور النبات في الارض، أو الخشب الحلو، وهي مكونة من مقطعين عرق أي "جذر" وسوس تعني "متأصل"، أو أصل السوس وهو نبات معمر من الفصيلة البقولية يرتبط اسمه بشهر رمضان لأنه يحبس الماء بالجسم فيقلل من العطش,يحتوي علي قاعدة صابونية حلوة الطعم تسمي جليسيريزين وهي مادة غير سكرية حلوة المذاق تساوي 50 ضعفا من حلاوة السكر العادي، و إليها يعود طعم العرقسوس و هي أيضا المسؤولة عن تكوين الرغوة المميزة له !
وإني أجد نفسي حراً في تقويض رأيي الأولي القديم في مشروب العرقسوس فهو يمثل الحياة بمتناقضاتها , يلخص كل المقارنات بين الأضداد كالخير والشر حيث تقلبات الزمن لمن يؤمنوا بفرص البداية والنهاية ويمتلكوا مزيجا من العقلانية والوجدانية, فهو يليق بالباحث عن الحقيقة, من يعشق الروح وليس الجسد, الذي لم تلهيه (كركبة )الدنيا ودوشتها عن البحث عن ملاذ وملذات الإنسان فينتشي بإكسير الحياة حيث السر العظيم إن كل من يعاني يرغب في الحياة !
لكنه وبكل وضوح لا يصلح للمترددين ولا لصغار السن ولا لمن خبرتهم بالحياة قليلة حيث لم يتعاركوا في دروب الدنيا ويقفون علي حدود أطراف الصحاري والخلق ولم يعملوا بالمصالح الحكومية, الذين اكتفوا من الحياة بالقليل لا طموح لديهم ، ولم يمنعهم البؤس من السعادة، حيث يريدوا تلبية الرغبات السهلة بعيداً عن عمق الأشياء وجوهرها, الذين لا يحبذون البطء بحثًا عن الجودة واللذة الذين يتجنبون خوض الحياة بكل تفاصيلها , هومشروب لا يصلح في زمن العصائر المعلبة الممزوجة بالمواد الحافظة والالوان المصطنعة لا يصلح لكل ما سبق !
تمَت قبل أن أتمَها
التعليقات