نعلم جميعًا أن الطريق إلى عرش الإمارة أو المملكة غالبًا ما يكون مصحوبًا بالكثير من العناء والمتاعب، بل وربما بعض المذابح أحيانًا...

ذلك ما أثبتته كتب التاريخ في كثيرٍ من الممالك العظمي على مر العصور والأزمنة، الغابرة منها والحاضرة.لكن هل سمعت عن ملكٍ أو أميرٍ أو خليفةٍ تولى عرشه دون أن يعترض طريقه أحد؟! بل وقد تنازل له كل من كان أهلًا للإمارة في ذلك الوقت وبايعوه على السمع والطاعة كذلك...


إنه عبد الرحمن الناصر لدين الله، الخليفة الأشهر في تاريخ الأندلس قاطبة وأعظم ملوك أوروبا في القرون الوسطى، الرجل الذي تسلم الأندلس وفيها من الفتن ما لا يعد ولا يحصى، فسلمها لولي عهده وهي جوهرة الدنيا آنذاك.


طفل بدون أب


كان والد عبد الرحمن الناصر يدعى "محمدًا بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم الربضي بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية"، فهو من نسل بطلٍ وحد الأندلس في وقتٍ كادت الفرقة فيه أن تأكل كل شبرٍ وتمزق دولة الإسلام بها، إنه جد (عبد الرحمن) السادس "عبد الرحمن الداخل" المعروف تاريخيًا بلقب "صقر قريش"، والذي تظهر صورته في التمثال الذي لا يزال حتى يومنا هذا في قرية المُنكّب "Granada" في إقليم إندلوسيا بإسبانيا.


عبد الرحمن الناصر وتوحيد الأندلس11707539694929680

كان محمد بن عبد الله وليًا للعهد زمن إمارة أبيه، لكن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود في طريقه، بل كان مليئًا بالأحقاد والتنازع على السلطان، حتى أدى حب السلطة والإمارة إلى قتل أبي عبد الرحمن محمد بن عبد الله على يد أخيه المطرف الذي لم يرد أن تذهب ولاية الأندلس من بين يديه.

قُتل "محمدٌ بن عبد الله المرواني" وعبد الرحمن حينئذٍ ما يزال طفلًا حديث عهد بحياتنا الدنيا، فقد كان عبد الرحمن آنذاك طفلًا لم يتجاوز عمره العشرين يومًا فقط.


تربيةٌ كالجد السادس


ما إن علم أمير الأندلس "عبد الله بن محمد" بمقتل ولي عهده على يد أخيه المطرف، حتى بلغ به الحزن مبلغه، ونال منه الوهن حتى كاد يفتك به؛ لكنه ما لبث أن استعاد عافيته واتخذ قرارًا كان السبب في ازدهار الأندلس وخروجها من اضمحلالها بعد ذلك.


اتخذ الأمير عبد الله قرارًا بحمل مسؤولية هذا الطفل الصغير على عاتقه، فكان يصطحبه معه أينما ذهب، ويجلسه معه في مجالس علية القوم ومستشاريهم وأصحاب الرأي فيهم، كما جعل له معلمًا يعلمه الفروسية والقتال والعلوم الدينية واللغة العربية وغير ذلك مما ينفعه، فقد كان ذلك بُغية أن يكون كجده عبد الرحمن الداخل الذي جمع شمل الأندلس ووحد صفها من قبل، فقد كانت الأندلس يومئذٍ مقسمة بفعل الفتنة ومروجيها كما كانت قبل إمارة "الداخل"، فقد كثرت الثورات والتمرد على حكم بني أمية في كل أنحاء الأندلس...


نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ثورة عمر (أو صمويل) بن حفصون في الجنوب، وتحديدًا في غرناطة، وكذلك ثورة عبد الرحمن الجليقي في غرب الأندلس؛ وغير ذلك الكثير..


كان الوضع باختصار أن كل مدن الأندلس خرجت عن طاعة بني أمية، ولم يعودوا يملكون منها سوى "قُرطبة" عاصمة الإمارة الأموية في الأندلس.

لذلك.. كان لابد من حاكم قوي الشكيمة، عظيم الهيبة ليجمع البلاد من جديد تحت رايةٍ واحدةٍ كما فعل "الداخل" من قبل؛ ذلك كان الهدف الأسمى من حرص الأمير عبد الله على تربية حفيده على القوة والحزم، فذلك ما كانت تحتاجه الأندلس آنذاك.


يُتبع...


المصادر


  • قصة الأندلس من الفتح إلى السقوط – د. راغب السرجاني.
  • دولة الإسلام في الأندلس – محمد عبد الله عنان.
  • سير أعلام النبلاء – الإمام الذهبي.

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف علم نفس

تدوينات ذات صلة