نستكمل في هذه التدوينة ما بدأناه سابقًا من حكايةٍ لسيرة عبد الرحمن الناصر وعملية توحيد الأندلس...

فقد بدأت مهمة توطيد حكم الأٌمويين وتوحيد صفوف المسلمين في الأندلس يوم أن تولى عبد الرحمن سدة الحكم في قرطبة، وكان يومئذٍ شابًا لم يتجاوز اثنتين وعشرين سنةً هجريةً كما ذكر الذهبي. (سير أعلام النبلاء 8/265)


يحكي ابن حزم الأندلسي أنه لما ظهر للخاصة والعامة أن عبد الرحمن هو الأمير القادم، لم يعترض طريقه أيًا من أعمامه أو أعمام أبيه ممن كانوا مؤهلين لتولي سدة الحكم في البلاد، بل أنه لما توفي جده، كان هؤلاء في مقدمة المبايعين له، المُقِرِّين بملكه. (رسائل ابن حزم 2/194)


وتحدث عمه أحمد بن عبد الله نيابة عن أعمامه في البيعة قائلًا:

والله! لقد اختارك الله على علم للخاص منا والعام، ولقد كنت انتظر هذا من نعمة الله علينا، فاسأل الله إيزاع الشكر، وتمام النعمة، وإلهام الحمد


لكن ذلك كله لم يكن زهدًا في الإمارة أو ما شابه، بل خوفًا تشكَّل عند البعض -إلا من رحم الله- من أن يُذكر في التاريخ أن سقوط دولة الإسلام في الأندلس كان على يديه؛ فمن يقرأ في حال الأندلس في تلك الفترة يخيل له أن الإسلام في الأندلس -طال الزمان أم قصر- ساقطٌ لا محالة.


على الفور بدأ الناصر رحلته في توحيد الأندلس واستعادة ملك بني أمية الذي سلبه المتآمرون والمتمردون، ففرقوا كلمة أمة الإسلام في الأندلس على إثر ما فعلوه.


إخماد ثورات المتمردين ومحاولة استمالتهم


بدأ الناصر لدين الله فور توليه الإمارة بالشروع في تطهير قرطبة أولًا قبل أن يتجه إلى ما دونها من مدن، فرفع من شأن العلماء والفقهاء وأصحاب وولاهم الشورى، فكان لا يأتمر إلا بأمرهم ولا ينتهي إلا عن نهيهم؛ كما عزل كثيرًا ممن كانوا غير ذي أهل لمناصبهم وولى مكانهم من رأى فيهم صلاحيتهم لتلك المناصب.


ثم بعد أن أصلح قرطبة من الداخل، اتجه لإصلاح ما يمكن إصلاحه من مدن الأندلس في الخارج، فبدأ بقلعة تدعى "قلعة رباح"، والتي كان يتحصن بها ثائرٌ يدعى "الفتح بن موسى بن ذي النون"، فطهرها منه ومن حاشيته، وأُتي برأس "ابن ذي النون" فعلقت على باب السدة لإرهاب الثائرين، وكان ذلك بعد شهر واحد من توليه الملك. (راغب السرجاني – قصة الأندلس من الفتح إلى السقوط 5/161)


توالى إرسال السرايا بعد ذلك على حصون المتمردين حتى جاء الوقت الذي يخرج فيه الجيش للقضاء على رأس الفتنة في الأندلس "عمر بن حفصون"...


يٌتبع...


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف علم نفس

تدوينات ذات صلة