أمطرت السماء وتجمعت الغيوم ,فلتفتح لها ولتمطر على قلبك!
إليك و إلا لا تشد الركائب و منك و إلا فالمؤمل خائب و فيك و إلا فالغرام مضيع و عنك و إلا فالمحدث كاذب
ذات ليلة باردة همست للسماء بأن أفيضي علينا من الماء, بأن أنتحبي ,لا تخشي شيئًا وأنا سأواسيك ببعض الدموع والبكاء.
في نفس ذات الليلة أختبأت الطيور وصراصير الحقل الثرثارة, ولعلي سمعت الأشجار تقول: أشركونا معكن فمذ غادرتنا الأوراق تعرينا ولم يزورنا إلا الجفاء!
رأيت القط بالخارج يختبأ بداخله ولو أن السلاحف لا تخرج الآن لظننته أحدهم, كان كلب جارتنا يشبهني قليلًا يجلس في داره متربعًا يتأمل السماء.
أحب الغيوم وأتسأل كيف لها أن تغضب فجأة وتتحد كأنها ستصب لعناتها على شخص حتى تحرقه, بل كيف لها أن تمسي فجأة كجفون السماء من شدة السهر و ارتشاف الكفايين؟
حسنا هنا أرتفع صوت المذياع الذي لا يعجبه شيئا مرددًا: للمشاركه في بناء أسقف للمحتاجين تواصل معنا على الرقم التالى.
انتبهت وكأني صفعت, ألتقت أعينينا أنا والهر من وراء الزجاج ,وسمعته يقول شيئًا لم أفهمه, والكم والسرعة التي مرت بها الذكريات ومشاهد اللاجئين وصور المساكين ونصوص الكتب لم أكن أحسب قبلها أن عقلي واسع لهذه الدرجة!
كيف له أن يحتفظ بهذا الكم من الأشياء ويعرضها كأني أحضر افتتاح فيلم لأول مرة في إحدى دور السنيما!
وضعت يدي على قلبي, ليس ينبض بشدة من البرد.
ملابسي جافة.
السقف لا يقطر.
عيني تنظر.
) أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)
وعنقي خالي من الديون.
عنق! أنا أملك عنقًا ,مازلت حيه!
نداني أبي فتبسمت.
"همي, اشربي هذا الحليب الدافئ" صاحت أمي!
هنا أدركت مقدار تفاهتي فسرت مسرعة نحو باب الدار وقبل أن أخرج التفت لألتقط الحجاب.
حجاب؟
فوق كل هذا ,ممنون عليَّ بنعمة الإسلام!
قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ
لا لا بل من أول الآية يا عقلي:
{ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ } [الأعراف 10] .
فتحت الباب وعدت وأنا معي القط فأسقيته الحليب وبكيت عند قوله:
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
قال مجاهد ومكحول: إنه الشراب البارد وظل المساكن وشبع البطن واعتدال الخلق ولذة النوم
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
تسائلت وأنا أجفف الهر:
يال جحودي كيف للدنيا أن تتعظام في نظري وأنا عبدة حقيرة ذليلة من العباد , كيف للعبد أن يبصر غير رضا معبوده بل ويجحد نعمه! نعم ألتهينا بالتكاثر وسنلتهي إلى أن تزور أرواح المقابر!!
شعرتني كالمبلي وعليه ديون وفضائح معلونة وآخرى مستورة لو كشف الستر لكرهه أهل الارض ,وذنوب ووذلات ومصائب قلبية ووجدانية, واهله في ضنك, والجميع ينتظر أن يقتص منه ,محكوم عليه بالإعدام ولحينها هو محجوز في ألم يعاني بأشد السبل,
ثم مر من جنبه صرصار ففزع ولا يستطيع النوم خشية منه ,ويفكر كيف يتخلص منه!
يال سخفي!
َلو تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا حين قالها الرسول غطي الصحابة وجوههم ولهم خنين!
عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1722) .
وجب عليَّ وعلي كل مسلم حتى وإن كنا لن نوفي شكره فأقل القليل ألا نعصيه بنعمه علينا!
كان سهل التستري - رحمه الله - يقول: "أداء الشكر لله تعالى: أنك لا تعصيه بنعمه عليك، فإن جوارحك كلها من نعمه عليك، فلا تعصه بشيء منها"
الخير خير وان طال الزمان به * والشر أخبث مااوعيت من زاد*
اللهم اغفر لنا ولا تهتك سترك عنا وارحمنا وتجاوز عن سيئاتنا, وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه آجمعين.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
ما شاء الله جميل ورائع