تَساؤلات عَلى حُسن الظّنّ بالله عَلى شَكلِ اليَوم الأول مِن الشّهر الأوّل مِن السَنَة الأولى مِن الجنّة ..


كَما العادَةِ أصحو عَلى صَوتِ الأذان، أفتَحُ عَينَيّ، أُمسِكُ هاتِفي لأسكِتَه بِغيرِ إرادَةٍ وأتابِعُ نَومَتي بِبَساطَه كأنّ شَيئًا لَم يَكُن، حَتّى يَتَجرّأ الهاتِفُ أخرى فيُرسِلَ مُحارِبَ النَومِ عَلى شَكل صَوتٍ مُزعِج _أختَرتُه بِعنايَه سابِقًا_، لكنّه لَم يُقاوِم قَطُّ قُوّة إبهامي حين تَلتَصِقُ عَلى زِرِّ " غَفوة " ، وتَستَمِرّ الحَرب بِمُنَبّه آخَر ما إن يَموت أو يَمَل؛ حتّى يُرسِل إخوَتَه السِتّة مُتَتابِعين عَلَّهُم يَنتَصِرون في مَعرَكَة الصَباحِ الباكِر .. لَيتَه أدرَك أن مَن يُقاوِمُ عَدوّه بِسلاحٍ حَدّده عَدوّه لن يَنتَصِر.’!


لكِن اليَوم عَلى غَير العادَة فَتحتُ عَينَيّ مُبَكّرًا بإعلان النَّوم خَسارَتَه بِتَواضُع، لِيَصحو القَلب عَلى صَوتٍ نابِضٍ بالحَياة، عَذب رَقراق إذ اختَلَطَ بِسُكون الليل فَصار أكثَرَ تَجلّيًا ..


فَنادَى وأسمَعُه بِخُشوع : يا جَعفَر " الصَلاةُ خَيرٌ مِنَ النَوم "، فَلَبيتُ النِّداءَ فَنَهضَ قَلبي تَبِعتُه جَسَداًا .. أوقَفني وُسواسي بِهمسٍ: النَّوم النَّوم، فاستَلقيتُ، فَكَرّر المُؤذِنُ نداءَه " الصَلاةُ خَيرٌ مِنَ النَّوم " وما زالَ الوُسواسُ يُغريني حَتّى جَرّأني فَسألتُ: وما لي إذا قُمتُ ؟


اختَفَى صَوتُ الأذان، كَفّ الديكُ عَن الصِياح، أخفَضَ "المُكيّف" مِن صَوتِه فَشَعرتُ بِقَشعَريرَة، غارَ الكَلامُ فيّ، سَمعتُ صَدى زفيرٍ قاتِم اللون، رَأيتُ تَلوّنَ وجهي في ظَلامِ غُرفَتي، قارَبَ الدَمُ التَجَمُّد لولا أن رَبَتَ القَلبُ عَلى كَتفي بقولِه: تَمنّى، فالله يَقول: " أنا عِند ظَن عَبدي بِي فَليظُن بِي مَا شَاء "..


نَهضتُ و الابتِسامَة تَعلو حاجِبَيّ، تَوَضَأتُ بالبُشرى، ولَبيّتُ النِّداءَ مُصَلّيًا حَتّى السَلام ..

أي رَبُّ لا أظُن بِكَ إلا خَيرًا، فأنا الهَباءَة في كونِك، القَطرَةُ في ماءِ رزقِك، ظَنّي أنّك لَن تُعذّبَ نَفسًا لَبّت نِداءَك وأنتَ الرّحمن، ولَن تُحاسِبَ قَلبًا غَفا وأنتَ الرّحيم، فاللهُمّ مَسألتي سُنّة حَبيبك و وصيّت : أوسَطُ الجَنّة مَقصِدي، تَحتَ العَرشِ هي _وأنتَ أعلَم _، قُربَ ما يَتَفَجّر منه أنهارها، فاللهُم أصلِحني لِفِردَوسك ..


هَذِه بِشارَة الصَباح، وزَقزَقَة الأذكار، وقَبلَ أن تُشرِقَ شَمس العَملِ عُدتُ إلى فِراشِيَ مُدوّناً دَرسَ الصَباح:ما أجمَلَ حُسنَ الظَنّ بالله، وما أنقاه كحافِزٍ للعَمَلِ بالحُب؛ إلا أنّ حَديثَ المُصطَفى _ صَلى الله عليهِ وسَلّم _: " فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ " يَدفَعُني للعَمَل أكثَر ..


فَجَلستُ القُرفصاء، واستَقبلتُ القِبلَة إلى ظَنٍ أعظَم، بَدأتُ أخُطّ حُلمي في الجَنّة ..

استَفتَحتُ بِبسم الله ..

عَلى رأس الصَفحَة دوّنتُ التاريخ العَظيم [ 1/01/010 ] إنّه اليَومُ الأول مِن الشَهر الأول مِنَ السَنَة الأولى في حَياةِ الجَنّة ..

الله إنّها الجَنّة التي لَم تَرها عَين، ولَم تَسمَعَ بِها أذُن، ولَم تَخطر عَلى قَلبِ بَشر ..

كَيفَ سأمضي وقتي فيها .. ماذا سأصنَع، وكَيف ؟

تَلاطَمَت في داخِلي أمواجُ أسئِلَةٍ أغرقتني؛ حَتى تَمَسّكتُ بِطوقِ نَجاةٍ رَماها العَقلُ مِن أقصاه أن اكتُب:


اللحظَةُ الأولى بينَ يَديّ سيّد الخَلق مُحمّد _ صَلى الله عليه وسلّم _، واسئَله يا نَبيّ الله: لَقّنّي الشَهادَة كما لَقنتَها عَليّ بن أبي طالب، فأتلوها بِخشوعٍ وكأنّني أقولُها السّاعَة، حَتّى إذا فَرغت استَجمَعتُ مَعانيَ الأدب في الإنصِراف التي انقَطعَت _رحمَةً بالمُزاحمينَ عَلى بابه_ لولا ابتِسامَةُ المَصطَفى التي أنقذتني، فأنصَرِف ..


ثُمّ أجلِسُ بينَ يَديّ أبي آدَم عَليهِ السَلام، يا نَبيّ الله: أنتَ في الجَنّة ونعيمها، وإبليس في النارِ وشَقائِها، قُل لي: عَن لَذّة التَوبَة وجَمالها ..

ثُمّ أسَلّم عَلى نَبيّ الله نوح: أن حَدّثني عَن العُروَة الوثقَى، وأسمَعُ مِن نَبيّ الله يوسَف عَن ظُلمَة البِئر، وظُلمَة الأبواب المُؤصَدَة، حَتّى إذا فَرغتُ أرُدّ التَحيّة عَلى أمّ موسى أسألها عَن يَقينِها حينَ ألقَت ابنَها في البَحر، ونَبينا حينَ سارَ عَلى البَحر ..


ياه كَم مِن الأسئِلَة التي تَدورُ في مُخيّلتي، إن تَعدّوها لَن تُحصوها .’!

غَيرَ أنّ الطِفلَ الذي قَتلَهُ صاحِبُ موسَى _عليهِ السَلام _ يُحرّك في قلبي جَمالَ لِقائِه، أسألُه عَن نَعيمِ الجَنّة التي استَحوذها بِقضاء الله الذي أنجاه مِن سوء كِبره، ثُمّ أحيّي أمُنا عائِشَة وأسألها عَن الحُب والطُهر والحَياء.


وقبلَ أن يُغلِق شُعاع الشّمس عيني أختِم النّص يَقينًا: " العَمَلُ عَجَلةُ الظَن ".

فاللهُمّ أحسِن عَملاً يُوصِلنا لهذا الظَن ..


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات جعفر فوارس || شيء يعتقله عقلي

تدوينات ذات صلة